بعثة الرسول والدعوة السرية

بعثة الرسول والدعوة السرية كانت مولد جديد للبشرية بأكملها، لما في هذه البعثة من تغيير للعالم أجمع على يد الرسول صل الله عليه وسلم، فكانت بعثة الرسول والدعوة السرية هي أولى مراحل الدعوة.

فقد بدأت بنزول الوحي ثم الدعوة سرًا تلتها الدعوة الجهرية التي عانى فيها الرسول كثيراً حتى يفيق الناس من غفلتهم ويتبعوا هدى الله، وسوف نتعرف على كل التفاصيل من خلال موقع الملك.

بعثة الرسول والدعوة السرية

قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم كان المجتمع الذي يعيش فيه يتبع الوثنية ولا يوجد به قوانين تحكم الناس، ساد الفساد والمعصية وشرب الخمر ولعب الميسر والزنا وغيرها من الأمور التي جاء الإسلام وجاء الرسول ليحكمها وينظمها.

حيث بدأت البعثة النبوية بنزول الوحي من الله على سيدنا محمد ليعلم نبوته وأنه سوف يصبح سيد العالم ثم تأتي بعد ذلك القوانين التي تمحى عادات وتقاليد هذا المجتمع.

اقرأ أيضًا: الصلاة على النبي في المنام

البعثة النبوية ونزول الوحي

نبدأ حديثنا عن بعثة الرسول والدعوة السرية عند نزول الوحي على الرسول عندما بلغ سن الأربعين حيث بدأت معه بالرؤى عندما كان يرى أشياء في منامه ثم تحدث كما رآها ولكنه لم يكن يعلم شيء.

عندما كان يشعر الرسول صل الله عليه وسلم بأنه لا يشبه ذلك المجتمع الذي يعيش فيه وأنه لا يحب قوانينه والأفعال التي يقوم بها الناس خاصةً عبادة الأصنام، كان يذهب لغار يقيم به طوال شهر رمضان يسمى غار حراء في جبل النور قريب من مكة.

ينظر فيه إلى الكون ويستشعر القوة والجمال التي يراها في هذا الكون وكيف لأصنام من حجارة أن تصنع كل ذلك.

استمرت فترة رؤيته للرؤى التي تتحقق كما هي لمدة ستة أشهر ثم بعد ذلك نزل عليه سيدنا جبريل بالوحي وهو بمفرده في غار حراء فقال له: اقرأ، فتعجب النبي وقال له ما أنا بقارئ لأنه صل الله عليه وسلم كان أمي لا يقرأ ولا يكتب، “…ثم قال: فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حتَّى بَلَغَ {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}…” حديث صحيح روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .

ارتعد النبي مما سمع وذهب خائفًا إلى زوجته خديجة في بيته وقال لها: زملوني، زملوني، ثم قص عليها ما رآه وما حدث معه فظلت تطمئنه وتهدئ من روعه وتقول له: “…كلا، والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق…”.

ثم ذهبت به إلى ابن عمها الذي يدعى ورقة بن نوفل والذي كان لديه علم بالديانات السماوية السابقة وكان يعلم بوجود نبي في عصره فقال لهم:“…هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أنزَلَه اللهُ عَلَى مُوسى، يَا ليْتَنِي فِيها جَذَعًا، لَيتني أَكُون حيًّا إِذْ يُخْرِجُك قَومُك». فقال : «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟». قال: «نعم، لَم يأتِ رَجلٌ قَطُّ بمثْلِ مَا جِئتَ بِه إلا عُودِي، وَإن يُدرِكْنِي يَومُك أَنصُرْك نَصرًا مؤزَّرًا…”.

فرح النبي لما سمع من ورقة بن نوفل وظل ينتظر الوحي ينزل له مرة أخري ولكن تأخر عليه جبريل عليه السلام حتى كاد الرسول صل الله عليه وسلم أن ييأس، ثم بعد فترة من الزمن رأى الرسول صل الله عليه وسلم جبريل عليه السلام يجلس على كرسي بين السماء والأرض وبشره بأنه سيكون نبي هذه الأمة، ارتعد النبي مرة أخري وذهب الى زوجته خديجة وقال لها: «دثروني، دثروني، وصبوا على ماءً بارداً».

وهنا نزلت ثاني أية على الرسول صل الله عليه وسلم وهي:

﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)”

هنا كان التأكيد على رسول الله بالنبوة، فبدأ الرسول بدعوته ولكن سرًا في البداية لما كان يوجد في ذلك المجتمع الوثني من فساد لا يقدر على محاربته وتنظيم تلك العادات والتقاليد بمفرده.

بعثة الرسول والدعوة السرية في مكة

من خلال حديثنا عن بعثة الرسول والدعوة السرية، نجد أن الرسول صل الله عليه وسلم واجه الكثير من العناء والمحاربة في بداية دعوته في مكة المكرمة فكان يخفف عنه السيدة خديجة زوجته وأصحابه الذين أسلموا معه وعلى رأسهم أبى بكر الصديق.

كان أول من أسلم مع النبي صل الله عليه وسلم وسانده هي زوجته خديجة بنت خويلد ثم على بن أبى طالب أبن عمه وهو في العاشرة من عمره، ثم زيد بن حارثة ومعه بناته زينب وأم كلثوم وفاطمة ورقية.

ثم صديقه أبى بكر الصديق الذي كان يقدم كل ما في وسعه لمساندة رسول الله والتخفيف عنه مما يعانيه من محاربة في دعوته السرية فقد أسلم على يد أبى بكر الكثير من الصحابة.

فأسلم بعد ذلك الكثير من الصحابة أمثال: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله أبو سلمة بن عبد الأسد، وأبو عبيدة بن الجراح، والأرقم بن أبي الأرقم، وخبّاب بن الأرت، وعمار بن ياسر وأمّه.

كان النبي في البداية يدعو أهله والمقربين منه إلى الدخول في الإسلام، وكان يأخذ كل من أسلم معه إلى دار الأرقم بن أبى الأرقم ليعلمه فيها القرآن الكريم الذي أنزل عليه من ربه، ليعلموا الأوامر والنواهي التي بلغها به جبريل عليه السلام، والتي يجب أتباعها على كل من يدخل في الدين الإسلامي.

شرعت الصلاة في مرحلة الدعوة السرية ولكن لم تأخذ شكلها الكامل بعد، فكان رسول الله يصلى بالصحابة الذين دخلوا معه الإسلام، وكانت تراهم قريش دون الإيذاء لهم في البداية لأنهم لم يقوموا بتحريم عبادة الأصنام في ذلك الوقت، حيث لم تكن الدعوة سرية بالمعنى الحرفي لها.

استمرت هذه الدعوة السرية حوالي ثلاثة سنوات كل ذلك حتى لا يقوموا بمواجهة قريش في البداية خاصةً عمه أبو لهب الذي كان من أشد المحاربين للرسول صل الله عليه وسلم، ولكن بعد أن أسلم مع النبي حوالي أربعين رجل وامرأة، حينها أمر الله نبيه الكريم الجهر بهذه الدعوة.

بعثة الرسول والدعوة الجهرية

بعد بعثة الرسول والدعوة السرية، أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بالجهر بالدعوة ليعلم بها جميع الناس من جميع القبائل الموجودة، فصعد النبي على جبل يسمى جبل الصفا ونادى في الناس ليدعوهم إلى الإسلام وقال لهم:

“أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا بالوَادِي تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ علَيْكُم؛ أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: نَعَمْ، ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلَّا صِدْقًا، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لكَ سَائِرَ اليَومِ، ألِهذا جَمَعْتَنَا؟

لم تصمت قريش على إعلان الرسول للدعوة وبدأت بالتصدي والإيذاء له ولأصحابه، وضربه أيضًا بسبب التصدي لأصنامهم، هاجمه الكثير من كفار قريش خاصةً عمه أبى لهب وزوجته فمن شدة إيذائهم للنبي نزل قول الله تعالى فيهم: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ*وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ*فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ). ولكن كل ذلك لم يزدهم إلا تثبيتًا.

خرج الرسول صل الله عليه وسلم من مكة المكرمة متوجهًا إلى بلاد الطائف ليدعو فيها إلى الدين الإسلامي وترك عبادة الأصنام وعبادة الله وحده، كان رفيقه في تلك الرحلة زيد بن حارثة، لكن رفض دعوتهم أهل الطائف رفضًا شديدًا حتى تم قذفهم بالحجارة وطردهم من الطائف.

سار رسول الله ومعه زيد بن حارثة وفي طريق عودتهم من الطائف أرسل الله له جبريل عليه السلام يستأذنه بأن يُطْبِق على أهل مكّة الجبلَين، لكن النبي أبى أن يفعل ذلك؛ عسى أن يخرج من ظهورهم من يؤمن به وبرسالته.

كان رسول الله يستغل مواسم الحج وأماكن تجمعهم ليدعو فيها الناس التي تأتي من القبائل المختلفة للدخول في الإسلام والبعد عن عبادة الأصنام وعبادة الله وحده، ولكن لم يسمع له أحد بل كانوا يردون عليه بالسب والقذف وأحيانًا بالضرب.

بعد ذلك مع استمرار الرسول الكريم في دعوة الناس التي تأتي في مواسم الحج سمعه رجالًا من قبيلة تدعى الخزرج في المدينة وسمعوا ما يتلى من آيات القرآن.

فدعاهم الرسول صل الله عليه وسلم إلى مكان يسمى العقبة وشرح لهم الدين الإسلامي وبماذا جاء من تنظيم للعادات السيئة وترك عبادة الأصنام، وافقوا الرسول وبايعوه على الدخول في الإسلام وسميت هذه البيعة ببيعة العقبة الأولى.

سار هؤلاء الرجال الذين بايعوا الرسول من قبيلة الخزرج يدعون قومهم للدخول في الإسلام وبالفعل في العام التالي جاء حوالي ثلاثة وسبعون رجلًا من أهل الخزرج يبايعون النبي الكريم على الإسلام وسميت هذه البيعة ببيعة العقبة الثانية.

موقف قريش من الدعوة الإسلامية

استكمالًا لحديثنا عن بعثة الرسول والدعوة السرية أنه مع زيادة أعداد المسلمين نتيجة للدعوة الإسلامية سواء سرًا أو جهرًا بدأ زعماء قريش يخافوا من هذه الدعوة خاصةً عند بدء دعوة الرسول بترك عبادة الأصنام وعبادة الله الواحد الأحد.

فبدأوا بالتخطيط لأذيته وقتله ولكن كان يدافع عنه عمه أبى طالب على الرغم من عدم دخوله الإسلام ولكنه كان يحميه من أذى المشركين.

كان يذهب كفار قريش إلى عم الرسول أبى طالب ليمنع ابن أخيه ويقنعه بالرجوع عما هو فيه وإلا فسوف يقتلوه، فما كان من أبى طالب إلا أن رد عليهم بأسلوب لبق وحسن حتى يتركوا الرسول يفعل ما يشاء.

بعث إلى الرسول ليأتي له ويتحدث معه في ذلك الأمر ويحذره مما يخطط له زعماء قريش ونصحه بترك الدعوة والحفاظ على نفسه ومن معه، فما كان من الرسول الكريم إلا رفض كلام عمه فقال له:

والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته”.

استمر المشركين في إيذاء الرسول الكريم من سب وضرب وقول الأقاويل عنه فتارة يقولون إنه ساحر مجنون وتارة يقولون إنه سخر جن أو شيطانًا، فضلًا عن أنهم كانوا يستهزئون بسماع القرآن.

عندما لم يجد الكفار حلًا في هذا الأمر وأن محاولتهم في إيذاء الرسول صل الله عليه وسلم بائت بالفشل، قرروا فيما بينهم على مقاطعة قبيلة بنى هاشم وقبيلة بنى المطلب بن عبد مناف نهائيًا ثم يعذبوا المسلمين أشد أنواع العذاب كل زعيم في قبيلتهم.

اقرأ أيضًا: حديث الرسول عن اختيار الزوجة

الهجرة من مكة إلى المدينة للحفاظ على الدعوة

بعد بعثة الرسول والدعوة السرية والجهرية، جاء أمر من الله للرسول صل الله عليه وسلم أن يهاجر أصحابه إلى بلاد الحبشة سرًا عام 615م لعدم أذى المشركين لهم بعد ما تعرضوا له من عذاب وظل هو وأبى بكر الصديق في مكة حتى يأذن لهم الله بالهجرة أيضًا.

هاجر الرسول الكريم ومعه صديقه أبى بكر الصديق سرًا عام 622م إلى المدينة عندما أذن الله لهم بذلك حتى يتخلصوا من أذى المشركين لهم وينشروا الدين الإسلامي.

اختلفت الدعوة السرية في شكلها ومضمونها بل وأحداثها أيضًا عن الدعوة الجهرية التي بدأ فيها كفار قريش بالإيذاء إلى الرسول وأصحابه حتى أتى أمر الله بهجرتهم إلى المدينة.

قد يعجبك أيضًا
اترك تعليقا