هل ينتقم الله من الظالم في الدنيا

هل ينتقم الله من الظالم في الدنيا؟ هل يتم رد حق المظلوم؟ الله -سبحانه وتعالى- حذر في كتابه العزيز من سوء فاعلة ارتكاب الظلم وارتكاب أي نوع من أنواع القهر للنفس أو لشخص آخر، كما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث لحث الناس على الابتعاد عن تلك الفاحشة، ونستعرض ذلك الموضوع من موقع الملك.

هل ينتقم الله من الظالم في الدنيا

الظلم هو أخذ الإنسان لما ليس من حقه، والافتراء على الناس الضعفاء والفقراء وإيقاع الأعباء بهم وغياب تحقيق العدالة، ووعد الله المظلومين برد حقوقهم والاستجابة لدعواتهم، وإلحاق أشد العذاب بالظالمين في الدنيا والآخرة.

أمثلة جزاء الظالمين في الدنيا

إن صور جزاء الظالمين في الدنيا كثيرة وذكرها الله -عز وجل- في القرآن الكريم ومنها نتطرق لمعرفة إجابة سؤال هل ينتقم الله من الظالم في الدنيا ومن تلك القصص الآتي:

  • قصة فرعون أكثر الحكام ظلمًا في الأرض وكان حاكمًا على أهل مصر، وشديد الظلم بهم واتصف بغلظة قلبه وشدة ظلمه، ونال فرعون جزاء ظلمه، حينما شق الله -عز وجل- البحر بسيدنا موسى ليعبر بسلام، أما فرعون فمات غرقًا جزاء لسوء فعلته في الدنيا، فقال –تعالى- فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ “(40) سورة القصص.
  • ظلم قوم ثمود لسيدنا صالح، وسعيهم في الأرض فسادًا وظلمًا وقتلًا للأنفس بغير حق، ورفضهم الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- فعجل الله لهم جزاءهم في الحياة الدنيا، فأرسل لهم جبريل بالصيحة، الصيحة التي أودت بحياتهم وجعلتهم جثث على الأرض، وكان ذلك جزاء نتيجة لظلمهم في الدنيا، قال –تعالى- فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمينسورة الأعراف.
  • قارون الذي أتاه الله -سبحانه وتعالى- من المال والجاه كنوزًا، ولكنه استخدم القوة والجاه في ظلم العباد ونشر الظلم والفساد في الأرض والتكبر عليهم وذل الفقراء، فخسف الله به وبداره الأرض جزاء لما قدمه من ظلم وبغي في الحياة الدنيا، فقال –تعالى-: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ” (81) سورة القصص.
  • أبرهة الحبشي الذي أراد هدم الكعبة، وتضليل الناس للظلم والفساد في الأرض، وظلم نفسه والناس بالتحريض على الشرك بالله، فأرسل الله عليه طيرًا أبابيل في جماعات لتدمير أبرهة وجيشه من خلال تمزيقهم برمي الطير للحجارة عليهم، وقال –تعالى-وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍسورة الفيل.
  • ظلم أبو جهل وأمية بن خلف للمسلمين واضطهادهم وظلمهم بالتعذيب والقتل، فجاء جزاء الله لهم بعزة المسلمين ونصرهم في غزوة بدر والتغلب على الكفار وعلو شأن الإسلام.

صور الظلم

للظلم صور وأشكال كثيرة حذر الله منها، وبالتالي يتضح هل ينتقم الله من الظالم في الدنيا، حيث توعد الله لما يخلف أوامره ويتبع الشيطان ويرتكب فاحشة الظلم بالجزاء المهين، ومن صور الظلم الذي حذر منها الله الآتي:

  • الشرك بالله، حيث قال الله –سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: “إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ “(13) سورة لقمان، بالتالي فإن الإنسان الذي يشرك بعبادة ربه ويتخذ إله آخر غير الله فذلك يعد ظلم للنفس.
  • إشاعة الفتن وإبعاد الناس عن قول وفعل الحق والتأثير عليهم بالجاه والسلطات.
  • قتل النفس بغير حق أو السعي في تعذيب الناس وتخويفهم وإلحاق الضرر بهم، فذلك يعد ظلمًا حيث توعد الله بالعذاب الشديد لكل من يعذب الناس في الدنيا.
  • جبروت الحاكم في ظلم الأفراد المحكومين، فمن صفات الحاكم العدل بين الناس وتحقيق المساواة وتدعيم قول الحق والخوف على مصلحة رعاياه، ولكن من يفعل عكس ذلك من الحكام بحيث ينشر الظلم والقهر بين الناس ويعمل على إثارة الفتن والفواحش كما فعل فرعون في قومه فما له إلا العذاب ولعنة الرحمن عليه.
  • أخذ أموال الضعفاء والفقراء بالسرقة والنهب والتعدي على حقوقهم يعد ظلمًا حذر الله من ارتكابه.
  • التعدي على حقوق الأقارب بالاستيلاء على أموالهم من الميراث وظلمهم في التعدي على أخذ حقهم.

مراحل المرور بالظلم

إن إجابة سؤال هل ينتقم الله من الظالم في الدنيا تبدأ معرفتها من خلال معرفة أن عقاب الظلم ليس سريعًا وإنما يمر الظالم بعدة مراحل حتى ينل عقابه كالآتي:

1- مرحلة الإهمال والإملاء

تعد أولى المراحل التي يمر بها الظالم وفيها يترك الله الظالم لنفسه ولأفعاله لعله يعود عن سوء فاعلته ويعود لإيمانه ووعيه والتقرب من الله والدعاء له بالمغفرة والتوبة، وذلك تبعًا لقوله –تعالى-: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف: 183].

2- مرحلة الاستدراج

في تلك المرحلة يرتفع شأنه ويزيده الله ويحقق له ما يتمنى ويكثر فيها من اللذات والتمتع بالدنيا، ذلك تبعًا لقوله –تعالى-: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ” [الأعراف:182].

3- مرحلة التزيين

يصاب الظالم هنا بتحجر القلب ويرى ما يفعله سليم وجيد، وتصيبه غشاوة على قلبه وعقله وبصره ويأخذه متاع الدنيا، وتعًا لقوله –تعالى-: “(وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ)سورة النمل.

4- مرحلة الأخذ

تعد المرحلة الأخيرة التي ينزل فيها الله –عز وجل- عقابه على الظالم وأخذ ما يتمتع به من قوة وسلطات وإلحاق العذاب به، قال –تعالى-:فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا” (84) سورة مريم.

آثار الظلم

للظلم آثار سيئة على من يقوم بارتكابه ومنها الآتي:

  • يحرم الظالم من نعمة الله عليه من الهداية والتوبة.
  • يتوعد الله للظالم بعذاب شديد وتصيبه لعنة الله والملائكة.
  • يصيب الظالم المحن والمصائب.
  • الظالم لا يجد شفيعًا له.
  • جزاء الظالم في الآخرة دخول النار.
  • دعوة المظلوم لا ترد، حيث تقبل تلك الدعوة وتقع نتيجتها على الظالم.

تحريم الإسلام الظلم

إن الظلم من أخطر الأمور التي حذر منها الإسلام ونهى عنها لما له من أثر سلبي في الأرض، فقد حرم الله –سبحانه وتعالى- الظلم على نفسه وأمر العباد المسلمين بذلك وحذر من عاقبة من يرتكب الظلم بالعذاب المهين في الدنيا والآخرة.

ذلك تبعًا لما ورد في الحديث القدسي عَنِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- فِيما رَوَى عَنِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أنَّهُ قالَ: “يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا”

الراوي: أبو ذر الغفاري/المحدث: ابن تيمية(مسلم)/ حكم المحدث: صحيح

حذر الله –عز وجل- الإنسان من ارتكاب جميع أنواع الظلم، حيث كل ما يفعله الإنسان من معصية فهو ظلم، والشرك بالله يعتبر ظلم للنفس، وأخذ حق الغير يعتبر ظلم للغير، ووعد الله -سبحانه وتعالى- جزاء للظالمين في كتابه العزيز بقوله تعالى: “إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (42) سورة الشورى.

دعاء المظلوم

إن المظلوم هو الشخص الذي وقع عليه الظلم والقهر، وإن المظلوم قادر على أخذ حقه والانتصار على من ظلمه من خلال الدعاء، حيث يعتبر دعاء المظلوم درعًا له لأخذ حقه، ووعد الله المظلوم باستجابة دعوته حتى وإن كان على ملة غير الإسلام، ومن أدعية المظلوم التي من الممكن ترديدها على الظلمة الطغاة ما يلي:

  • “حسبي الله ونعم الوكيل فيمن أذاني اللهم بحق جاهك وجلالك وعزتك وعظمتك التي يهتز لها الكون اسألك بعزتك التي يهتز لها العرش ومن حوله اللهم انصرني على من ظلمني اللهم أنك لا ترضى الظلم لعبادتك اللهم أنك وعدتنا ألا ترد للمظلوم فأنت العدل والعدل قد سميت به نفسك اللهم انصرني على من ظلمني”.
  • “يا رب انصر الحق واقر العدل وجرعهم من نفس كأس الظلم الذي جرعونا منه اللهم اخذلهم خذلانًا مبينًا”.
  • اللهمّ إنّ الظالم مهما كان سلطانه لا يمتنع منك فسبحانك أنت مدركه أينما سلك، وقادر عليه أينما لجأ، فمعاذ المظلوم بك، وتوكّل المقهور عليك، اللهم إني استغيث بك بعدما خذلني كل مغيث من البشر، وأطرق بابك بعد ما أغلقت الأبواب المرجوة، اللهم إنك تعلم ما حلّ بي قبل أن أشكوه إليك، فلك الحمد سميعًا بصيرًا لطيفًا قديرًا”.
  • “يا رب إني أحب العفو لأنك تحب العفو، فإن كان في قضائك النافذ وقدرتك الماضية أن ينيب أو يتوب، أو يرجع عن ظلمي أو يكفّ مكروهه عنّي، وينتقل عن عظيم ما ظلمني به”.
  • يا رب إن كان في علمك به غير ذلك، من مقام على ظلمي، فأسألك يا ناصر المظلوم المبغى عليه إجابة دعوتي، فخذه من مأمنه أخذ عزيزٍ مقتدر، وأفجئه في غفلته، مفاجأة مليك منتصر، واسلبه نعمته وسلطانه، وأعره من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر”.
  • “اللهم انزع عن الظالم سربال عزّك الذي لم يجازه بالإحسان، واقصمه يا قاصم الجبابرة، وأهلكه يا مهلك القرون الخالية، وأخذله يا خاذل الفئات الباغية، اللهم أرغم أنفه، وعجّل حتفه، ولا تجعل له قوة إلاّ قصمتها، ولا كلمة مجتمعة إلاّ فرّقتها، ولا قائمة علوّ إلاّ وضعتها، ولا ركنًا إلاّ وهنته، ولا سببًا إلاّ قطعته”.

ارتكاب الظلم أداة لهلاك الإنسان لنفسه، ونشر الفساد والوقيعة بين الناس في الأرض لذلك يجب الابتعاد عن الظلم، والامتثال لأمر الله -سبحانه وتعالى- لكي ينال الثواب ويحمي نفسه من العقاب وجهنم بئس المصير.

قد يعجبك أيضًا
شاركنا بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.