التحكم في العقل الباطن
يُعد التحكم في العقل الباطن من القُدرات التي يسعى عدد لا يُستهان به من البشر إلى امتلاكها، فهل من المُمكن حقًا السيطرة على هذا الجُزء من الدماغ؟ في واقع الأمر هُناك العديد من الأقاويل المُتضاربة في هذا الصدد، ولكون هذا الأمر مُثيرًا للفضول ظهرت عشرات الدراسات، وعبر موقع الملك سنُعرفكم ما إذا كان التحكم في العقل الباطن أمرًا مُمكنا أم لا.
التحكم في العقل الباطن
علينا في بداية الأمر وقبل الحديث عن طُرق التحكم في العقل الباطن وإمكانية القيام بذلك من الأساس الإيمان بكون كافة المستويات الفكرية الخاصة بالعقل تتكاتف وتتضافر بشكل كبير في سبيل العمل بأفضل صورة مُمكنة، ويتم التعبير عن الفرق بين العقل الواعي، اللاواعي أو العقل الباطن بعلاقة السيد والخادم.
فالأمر كُله في التفكير والبحث عن الأمور المنطقية يرجع إلى العقل الواعي، فلهذا العقل القُدرة العالية على تحليل المواقف والبحث عن المُميزات والعيوب الموجودة في كُل شيء حولنا على كافة الأصعدة، وفي هذه العلاقة العقل الواعي هو السيد وصاحب القبضة المُحكمة والرأي الأول والأخير.
العقل الواعي يُعتبر الجزء الحاضر بشكل دائم، وهو المسؤول بشكل كبير عن الإدراك الحسي، كما أنه يعمل على تعزيز التيار الفكري والمُحاولة الدائمة لإيجاد الحلول والبحث عما يجب أن يقوم به المرء في مواقع مُعينة، وبعد التفكير والتحليل يعمل على إصدار القرارات الإيجابية والسلبية على حدٍ سواء.
ما يعني أن العقل الواعي يميل لكونه أداة التحليل المنطقية الأولى والأبرز، كما أنه يعمل على البحث في العديد من المصادر عن حلول تُساهم في تخطي العديد من الصعاب والمواقف الجديدة منها والمُكررة، وهُنا يعمل المنطق مع استدعاء الذاكرة بشكل مُتناسق إلى حدٍ كبير.
بعد انتهاء المرحلة المنطقية للعقل الواعي يتم إرسال القرارات للجُزء الباطن أو اللاواعي، وهذا العقل يُمكن وصفه بكونه نظام تنفيذ القرارات التي ينص عليها التفكير المنطقي وتحليل المُعطيات وغيرها من الوسائل البحثية، كما أنه يختص ببعض الأمور مثل انجذاب العين غير المُبرر للحركة كما لو كان المرء يبحث عن شيءٍ ما في الجوار.
كما أن أحلام الليل واليقظة تُعد من أعمال ونتاج هذا العقل، ويُمكن وصف الجُزء الباطن واللاواعي بكونه مرجع التصرفات الغريزية والسلوك الفطري الأول، ويعول عليه الجسم في تنظيم بعض الجوانب مثل الاستيقاظ بسبب العوامل الداخلية والخارجية كالألم أو الضجيج، والجدير بالذكر أن هُناك وسائل تُعزز من القُدرة على التحكم في العقل الباطن منها:
1- حاول التركيز بشكل أكبر على ما تقوم به
من أبرز ما يزيد من إمكانية التحكم في العقل الباطن والقُدرة على القيام بالعمليات التي يُعتبر العقل غير الواعي المسؤول الأول عن القيام بها هو التركيز بشكل عام، وهُنالك عاملان يُشكلان الفارق فيما يخص هذا التركيز ألا وهُما التنفس بشكل عميق وهادئ، بالإضافة إلى التمسك بالأفكار العابرة ومُحاولة تحليلها والوصول إلى أقصى استفادة مُمكنة منها.
التنفس بشكل عام يعمل على تعزيز الصحة الذهنية والدماغية بشكل كبير، وهو ما يزيد من قُدرة عقلك اللاواعي ورغبته في طرح المزيد من الأفكار، ففقط ركز على الشهيق والزفير وسيقوم الجُزء الباطن من التفكير بعمله على أكمل وجه.
فخلال فترة زمنية وجيزة ستشعر بتدفق الأفكار من العقل الباطن إلى العقل الواعي، ومن الضروري هُنا عدم الانهماك في التكفير في فكرة قام عقلك بطرحها دونًا عن غيرها، فهذا من دوره أن يُنهك عقلك وتفكيرك بشكلٍ كبير، فاسعى دائمًا إلى جعل الأفكار تنساب بشكل تلقائي.
في هذه المرحلة يُعتبر شرود الذهن علامة على انهماكك بالتفكير في فكرة مُعينة وانعدام التركيز على الهدف الرئيسي من العملية في المقام الأول ألا وهو التنفس الصحي، وبمجرد استعادة السياق الطبيعي للتنفس ستشعر بتحسن كبير واختلاف شاسع في القُدرة على التركيز في الأفكار دون الانغماس فيها، والجدير بالذكر هُنا أنه لا يوجد فترة مُعينة أو حد أقصى لجلسة التفكير، فقط تحرك عندما تشعر أنك في حاجة للقيام بذلك.
اقرأ أيضًا: هل الشخص الذي تفكر فيه يفكر فيك
2- قُم بتدوين الأفكار بشكل دوري
جاء في العديد من الدراسات والأبحاث العلمية أن فكرة كتابة ما يُراودك من أفكار، أسئلة واستفسارات لها القُدرة بشكل كبير على زيادة التحكم في العقل الباطن، ولكن في سبيل الدخول إلى هذه الحالة من الضروري استخدام الورقة والقلم في الكتابة.
فالأجهزة اللوحية وغيرها من صور الإلكترونيات تُعتبر من مصادر التشتيت الأبرز على الإطلاق، لذا عليك ضبط هاتفك على وضع عدم الإزعاج، فالاستقرار في بيئة هادئة هو ما يُشكل الفارق ويحثّ جسدك على الدخول في هذه الحالة الذهنية والبدنية من الاسترخاء هو التنفس.
من الضروري خلال هذه الفترة عدم التفكير في جدول أعمالك المُزدحم أو غيرها من الأمور التي تؤرقك، أطلق فقط العنان لعقلك واعمل على تدوين كُل ما يدور في ذهنك، في واقع الأمر هذه المرحلة تكون فيها الأفكار عشوائية شيئًا ما، لكن ذلك لا يعني الامتناع عن تسجيلها وتدوينها.
فبعض هذه الأفكار قد تكون ناتجة عن عقلك اللاواعي، وتدوينها ومن ثم التفكير فيها فيما بعد يزيد بلا أدنى شك من إمكانية التحكم في عقلك الباطن، وكما يُقال لا تحكم على الكتاب من عنوانه، لذا فلا تُقرر وضع الأحكام على هذه الأفكار في مهدها وبشكلٍ سطحي فقط، بل تعمق في الفكرة بعد الانتهاء من جلستك، فقد يُشكل ذلك الأمر الفارق.
بعد انقضاء فترة التفكير التي حددتها اعمل على تحليل ما كتبته، والمطلوب في هذه المرحلة اصطفاء أفضل الأفكار أو أكثرها تكرارًا داخل عقلك، ومما له القُدرة بشكل كبير على زيادة فاعلية هذه العملية هو اللجوء إلى استخدام الأوراق التي كتبتها فيما سبق من جلسات إن وُجد، فهذا سيُعزز من التفكير.
اقرأ أيضًا: هل الخوف من الموت دليل على قربه
3- سجل ما تتذكره من أحلامك فور الاستيقاظ
يعد عالم الأحلام أكثر ما يُعبر عن القُدرة الإبداعية للعقل الباطن في واقع الأمر، لذا سيكون استغلال ما يُراودك من أفكار مُجسدة في صورة أحلام خلال هذه الفترة من اليوم من أبرز طُرق المُساعدة في التحكم في عقلك الباطن.
فقبل أن تخلد إلى النوم اترك بعض الأوراق والأقلام في الجوار لتكون في متناول يديك، وفور الاستيقاظ اعمل على تدوين كُل ما تتذكره من تفاصيل مهما كانت بسيطة، والجدير بالذكر أنه يُمكنك استخدام هذه الأوراق فيما بعد خلال جلسات اعتصار الدماغ التي تحدثنا عنها أعلاه.
ما سيُشكل القُدرة هُنا على تعزيز التحكم في عقلك الباطن هو مُلاحظة بعض الأحداث والشخصيات التي يتكرر ظهورها في الأحلام بشكلٍ كبير، وهُنا يجب التفكير والتركيز على الأحلام غير المفهومة أو غير المنطقية بشكل أكبر، فهي الأحلام التي يُديرها العقل غير العقلاني بكُل ما يشتمل عليه من أفكار مُتضاربة.
فعلى النقيض الآخر نجد أن الأحلام التي يرى فيها الشخص بعض الأمور التي تُعبر عن مُحيطه أو حياته تُعد من أبرز العلامات التي تنم عن كون الحلم من نتاج العقل الواعي الذي يقوم باستخدام الذاكرة والتفكير الحقيقي والمنطقي في بناء هذا العالم الخيالي للأحلام.
في حال ما كان التمييز بين الأحلام المنطقية وغير المنطقية أمرًا صعبًا فقُم فقط بالتركيز على ما يتعلق بالحواس، فهُناك العدد من الرؤى التي نُلاحظ فيها كوننا نستنشق رائحة مُعينة أو نُحس بلمسنا لشخصٍ ما.
فهي من الأمور التي لا يقوى العقل الباطن على القيام بها في غالب الأمر إلا بمُشاركة العقل الواعي، وفي حال ما شعرت أن هُناك حلم مُهم يُراودك بشكل مُستمر فيُمكنك حينها البحث عن تفسيره وتدبيره عبر الانترنت، مع التأكد من كون المصدر الذي تعتمد عليه موثوقًا.
اقرأ أيضًا: هل يحاسب الإنسان على أفكاره وتخيلاته المحرمة أم فقط على أفعاله
4- اعمل على تنمية الجوانب الإيجابية في شخصيتك
التدريب الإيجابي دائمًا وأبدًا يُعتبر وسيلة تنظيم الأفكار التي يتم استنباطها من العقل اللاواعي، وهو ما ينتج عنه زيادة كبيرة في القُدرة على التحكم في عقلم الباطن، وفي سبيل الوصول إلى هذه المرحلة يتعين عليك استبدال الأفكار السلبية والكلام الذي تقوله في ذهنك وله قُدرة عالية على إحباطك بالكلام الإيجابي والتحفيزي.
ففكر دائمًا في كون كُل مُشكلة في حياتنا لها جانب إيجابي مهما كان الأمر صعبًا، وثق في هذه الفكرة تمامًا واعمل على تطبيقها في حياتك لتتحول لشخصٍ إيجابي ينشر هذا النوع من الأفكار ويزرعه في قلوب من هُم حوله، وهو ما سيعود عليك بالنفع والفائدة.
في إطار الوصول إلى هذه المرحلة عليك الاستغناء عن عِدة مُصطلحات في حياتك مثل “أنا فشلت في القيام بهذا الأمر” وقل “أنا سأنجح في المرة القادمة”، كما يُمكن اللجوء إلى بعض الرياضات والتمارين التي تعتمد في المقام الأول على تعزيز القُدرة الإدراكية والصحة العقلية والنفسية على حدٍ سواء مثل اليوجا.
الجدير بالذكر أن إطلاق العنان لخيالك له قُدرة عالية على التحكم في عقلك الباطن، والتخيل هُنا يُمكن أن يدخل فيه العامل النظري مثل التمعن في الطيور، الأشجار، انسياب المياه بالإضافة إلى السماء والغيوم بكل تأكيد.
كما أن العامل الصوتي وغيرها من مظاهر ملموسة ومحسوسة ستجعلك قادرًا على تخيل مواقف كاملة ومشاهد سينيمائية، ومن الضروري في هذه المرحلة عدم التفكير في النواحي السلبية في حياتك أو تخيل سيناريوهات تُشير إلى فشلك وتُعبر عنه، ففكر فقط في إمكانية النجاح، وكُن واقعيًا ليكون هذا التفكير والتخيل مُثمرًا.
التحكم في العقل الباطن له القُدرة على تغيير حياتك بشكل جذري، وينتج عنه العديد من الفوائد مثل النوم بشكل جيد دون التفكير المُبالغ فيه، العمل بجدية أكبر بالإضافة إلى تعزيز القُدرة على التفكير في الجانب العاطفي على وجه التحديد.