هل يحاسب الإنسان على أفكاره وتخيلاته المحرمة أم فقط على أفعاله

هل يحاسب الإنسان على أفكاره وتخيلاته المحرمة أم فقط على أفعاله؟ وما حكم ما يتخيل المحرمات في رمضان؟ في بعض الأحيان يلجأ العقل الباطن إلى تخيل بعض الأشياء غير الواقعية أو المنطقية التي لا يمكن تحقيقها في الواقع، وقد يتمادى في تخيلاته لكي يعوض ما ينقصه، وهذا يحدث للكثير من الناس لذا يتساءلون حول أفكارهم هل هي محرمة حتى لو كانت لا تترجم إلى أفعال؟ وهذا ما سنعرضه لكم من خلال موقع الملك.

هل يحاسب الإنسان على أفكاره وتخيلاته المحرمة أم فقط على أفعاله؟

الله -عز وجل- لا يحاسب الإنسان على أفكاره، لكن في حالة كانت الأفكار والتخيلات من المحرمات يجب الحذر منها ومحاولة تجنبها، فهي تسبب خراب القلب وتمهد لارتكاب السيئات، على أن زيادة هذه الأفكار عن الحد المقبول يمكن أن تؤدي إلى وسواس، فيصبح الفرد غير سوي، ويكون هذا بفعل الشيطان غالبًا، فهو لا ينفك حتى يبعد الإنسان عن فعل الخير والقرب من الله وفعل المحرمات فيحاول إغراء العبد بالكثير من الأشياء.

لمعرفة هل يحاسب الإنسان على أفكاره وتخيلاته المحرمة أم فقط على أفعاله؟ نذكر أن علماء الدين استطاعوا التفرقة بين الذنوب التي تتعلق باللسان والأذن والعين وباقي الجوارح وبين الذنوب التي يتم اقترافها بالعقل أو القلب كمجرد تفكير بعيدًا عن الأفعال كالحسد والتكبر والعديد من المشاعر التي تكمن في القلب والعقل.

في حالة كان أفكار المرء مصدرها العقل والقلب معًا وكانت تلك الأفكار متعلقة بالكفر، فإنه يحاسب عليها لأن الإيمان والكفر من الأمور التي تتعلق بالقلب، كما يقول الفقهاء إنه لو نوى الصائم في قلبه أنه سيفطر في ذلك اليوم فإنه يعد مفطرًا ويبطل صومه، لأنه فكّر في هذا الأمر في عقله ونواها بقلبه.

اقرأ أيضًا: حكم رسم الوشم للرجال

حكم تخيل المعاصي

ردًا على سؤال هل يحاسب الإنسان على أفكاره وتخيلاته المحرمة أم فقط على أفعاله؟ نذكر أنه يجب معرفة أن الأفكار والتخيلات تهاجم الإنسان من وقت لآخر، وقال علماء الفقه إن الأفكار طالما ظلت محلّها العقل ولم تترجم إلى أفعال فهو لا يحاسب عليها.

كما قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم لكن إذا استقر في القلب واقتنع به صار آثمًا، أما إذا كان شيئًا عارضًا لم يستقر في القلب بل خطر على البال كفكرة عابرة لا يحاسب عليها الله وستجاوز عنها.

كما قال الله -عز وجل- في كتابه الحكيم في سورة البقرة آية 284 قال تعالى:

لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.

فعمل الإنسان يكون بقلبه وجوارحه، أما أعمال القلب فقط إذا استقرت في قلبه يحاسب عليها خيرها وشرها، أما إذا كان الأمر مجرد فكرة عابرة فلا إثم عليه، وتخيل المعاصي قبل النوم من أعمال الشيطان، حيث يعمل الشيطان جاهدًا على هلاك المسلم، فيبدأ في إغرائه بأفكار خاطئة، فالتفكير هو أول خطوة للأفعال والأقوال.

حكم التخيل في رمضان

بما أننا قسمنا التخيلات والأفكار إلى قسمين وهما تخيلات مباحة لا يحاسب عليها الله وهي الأفكار والتخيلات التي تكون في العقل ولا تستقر في القلب مثل تخيل أشياء غير واقعية غير محرمة، وتخيلات غير مباحة وهي التخيلات والأفكار التي تستقر في القلب وتكون محرمات وفواحش.

في حالة أن الصائم تخيل أشياء غير جيدة وشهوانية أثارت شهوته وخرج منه مني، في هذا الحالة يفسد صومه وعليه قضاء صيامه.

اقرأ أيضًا: حكم حلق شعر الدبر للرجال

حكم تخيل الرجل لفتاة والعكس

تخيل شخص أيًا كان قبل النوم يجب تركه سواء كان تخيل شكله ومظهره ومحاسنه، فالأولى فيها أن تعفي نفسك من هذه الأفكار التي تذهب الحياء والأولى تركها.

تخيل الرجل لفتاة في مشاهد خادشة للحياء من المحرمات ويجب ترك التفكير فيها، خاصة للرجل العاجز عن الزواج يجب أن يلهي تفكيره في أشياء أخرى غير هذا ويصرف قلبه بفعل نشاطات تلهيه عن تلك الأفكار.

قال الله تعالى في القرآن الكريم سورة النور آية 33 قال تعالى:

“وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ للَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (33)”.

الفرق بين وساوس الشيطان ووساوس النفس

قال الشيخ الشعراوي في جلسة دينية له: مسكين أنت أيها الإنسان وقعت بين المطرقة والسندان، المطرقة هو الشيطان لعنه الله والسندان هي النفس الأمارة بالسوء التي ينجذب إليها المرء إلا من رحم ربي وأعانه الله على شيطانه فانتصر عليه.

في كثير من الأحيان يحتار الإنسان بين ما إذا كان الخطأ الذي ارتكبه هل هو من وسوسة الشيطان أم من وسوسة نفسه، ونزيل هذه الحيرة من خلال آية قرآنية من سورة إبراهيم آية 22 قال تعالى:

“قَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي  فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)“.

رفض الشيطان أن يكون للإنسان سلطة أن يتحكم به يؤذي به غيره، وبهذا يعترف الشيطان أنه غير قوي وأنه لا يمتلك أي قوى إقناعية، ويهلك من مشى ورائه يوم الحشر وسيقول لا تتهموني وتعلقون أخطائكم عليّ فأنا ليس لي عليكم سلطان، أنا فقط دعوتكم فاستجبتم لي وكل ما كان لي عندكم أني حركت نوازع أنفسكم وحررتها لتقبلوا على فعل المعصية.

وسوسة النفس تعرف عندما يلح على تفكير الإنسان أن يفعل معصية ونجح في أول مرة في صد هذه المعصية وابتعد عنها، لكن بعد فترة أرادت نفسه أن تقوم بالمعصية وطلبتها مرة أخرى.

أما وسوسة الشيطان مختلفة تمامًا فهو يريد أن يجعل الإنسان عاصيًا بأي شكل من الأشكال، فيحاول إغواء المسلم في كثير من الأفعال ويدخل من نقطة ضعفه فإن وجده قويًا ونجح في صده في المرة الأولى انتقل إلى هدف آخر، فالمهم عنده أن يجعل المسلم عاصي فقط.

للتخلص من وسوسة الإثنين وسوسة الشيطان والنفس الآمرة بالسوء يمكن اتباع الحديث الآتي: عن أبي هريرة أَنَّ أَبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ، “رضي الله عنه” قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِكَلمَاتٍ أَقُولُهُنَّ إِذَا أَصْبَحْتُ وإِذَا أَمْسَيتُ، قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَواتِ والأرضِ عَالمَ الغَيْب وَالشَّهَادةِ، ربَّ كُلِّ شَيءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَن لاَ إِله إِلاَّ أَنتَ، أَعُوذُ بكَ منْ شَرِّ نَفسي وشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكهِ” قَالَ: “قُلْها إِذا أَصْبحْتَ، وَإِذا أَمْسَيْتَ، وإِذا أَخذْتَ مَضْجِعَكَ رواه أَبُو داود والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

اقرأ أيضًا: حكم الطلاق قبل الدخول بطلب الزوجة

هل يحاسب المرء على نيته السيئة

في بعض الأحيان يبتلي الإنسان بالتفكير في معصية من المعاصي ويتساءل هل يحاسب الإنسان على أفكاره وتخيلاته المحرمة أم فقط على أفعاله؟ فنشير في هذا الصدد إلى الحديث الشريف:

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً).

كذلك قال أبو الدرداء: “من أتى فراشه، وهو ينوي أن يُصلِّي مِن اللَّيل، فغلبته عيناه حتّى يصبحَ، كتب له ما نوى”، فمن نوى فعل الخير قولًا أو أحضرها في قلبه وفكر بها كتبت له حسنة كاملة حتى وإن لم يفعلها، أما في حالة الهم بالسيئة كاملة، يكتب له سيئة حتى وإن لم يفعلها بجوارحه.

في حالة كان المسلم يقوم بفعل معصية ثم يتركها من أجل خوفه من الناس، فإنه يعاقب على تركها بهذه النية لأنه خاف من المخلوقين لا من الخالق، فيعتبر هذا رياء للناس وهذا حرام، أما في حالة قيام المسلم بعمل معصية وتركها خوفًا من الله حسبت له حسنة ومحى المعصية.

بينما في حالة سعى المسلم إلى عمل معصية ولم يتمكن أو حال بينه وبينها القدر لأي سبب، عوقب بها وكتبت له سيئة، كذلك قولُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتِلُ والمقتولُ في النَّار)، قالوا: يا رسول الله، هذا القاتلُ، فما بالُ المقتول ؟! قال: (إنَّه كان حريصاً على قتل صاحبه) [رواه البخاري 31 ومسلم 2888].

مجرد التفكير في فعل المعصية هو شيء خاطئ يجب تجنبه عن طريق تحويل مسار التفكير إلى شيء آخر، ولعل تعلم كيفية كبح وسواس النفس الأمارة بالسوء خير علاج لهذا الأمر، مع زيادة العزم والإرادة في القضاء على وسوسة الشيطان.

قد يعجبك أيضًا
شاركنا بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.