ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم

ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم وتمسكه بدينه من أعظم العبر التي نأخذها عنه، كان النبي أعظم الرجال، عاش يتيمًا قويًا لم يقدر عليه أحد، وطوال حياته كان داعيًا ومبشرًا ونذيرًا رغم ما لقاه من بطش المشركين، ومن أذى قومه إليه، يشهد له التاريخ وينبغي على المسلمين الاقتداء به في صفاته وشجاعته في نشر الدعوة على رغم كُل ما تلقى، ومن خلال موقع الملك سوف نذكر كيف كان ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء نشر الدعوة.

ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم

سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- هي أساس تعليم المسلمين للثبات على الحق، وعدم اتباع الباطل، وسيظل الحق حقًا والباطل باطلًا مهما تعدد فاعلوا الباطل، هكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته عاشها مبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله جل وعلا، وجاهد في سبيله حق الجهاد ليجعل كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.

لقى النبي -صلى الله عليه وسلم- إيذاء قومه ولم يتراجع عن دين الله وظل ثابتًا عليه، وأغروه وساوموه بما لا يُسام به الزعماء ليتنازل عن دينه، وظل رافضًا صلى الله عليه وسلم، وقامت قريش بإيذاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بشتى أنواع العذاب، وأعملوا فيه رماحهم وسيوفهم.

كما أنهم لجأوا إلى التفاوض معه أن يترك الدين مقابل المال وجاءت قريش إلى عم النبي يطلبوا منه أن يمنعه من دعوة الناس إلى الله -جل وعلا- لأنه من رباه وسوف يأخذ النبي بقوله لكنه رفض ذلك، حيث روى عقيل ابن أبي طالب قال:

(جاءَتْ قريشٌ إلى أبي طالِبٍ فَقالوا : يا أبا طالِبٍ ، إنَّ ابنَ أخيكَ يُؤْذِينا في نادِينا وفي مَسجِدِنا ، فانْهَهُ عَن أَذَانا ، فقالَ : يا عَقيلُ : ائْتِني بِمُحمَّدٍ ، فَأَتيتُه بِه ، فقالَ : يا ابنَ أَخي ، إنَّ بَنِي عَمِّكَ يَزْعُمونَ أَنَّكَ تُؤْذيهمْ ، فَانْتَهِ عَن ذلكَ ، قال : فَحَلَّقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بَصَرَهُ إلى السَّمَاءِ فَقالَ : أَترَونَ هذِهِ الشَّمسَ ؟ قالوا : نعَم ، قال : ما أنا بَأَقدرَ علَى أن أَدَعَ لكُم ذلكَ من أن تُشْعِلوا منها شُعْلَةً ، قال : فقال أبو طالبٍ : ما كَذَبنَا ابنُ أَخِي ، فَارْجِعُوا) حديث حسن، مصدره المطالب العالية.

اقرأ أيضًا: حكم تطويل الشعر للرجال

ثبات الرسول أمام مُساوَمات قريش

لما أيست قريش أن يتراجع النبي -صلى الله عليه وسلم- عن دينه أرسلوا إليه عتبة ابن ربيعة وهو من المعروفين بالرزانة والحكمة في قريش ليتفاوض مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في أن يترك الدعوة إلى الله مقابل أن يأخذ منهم أموالهم ويعلوا مكانته أمام الناس، ويجعلونه ملكًا وحاكمًا، وهنا ظهر ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم جليًا وواضحًا فرفض كل هذه المغريات لأجل الله تعالى.

روى جابر بن عبد الله قال: (أَرْسَلَتْ قريشٌ، عُتْبَةَ بنَ ربيعةَ – وهو رجلٌ رَزِينٌ هادئ – فذهب إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: يا ابنَ أَخِي، إنك منا حيثُ قد علمتَ من المكانِ في النسبِ، وقد أَتَيْتَ قومَك بأمرٍ عظيمٍ فَرَّقْتَ به جماعتَهم، فاسمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عليك أمورًا لعلك تقبلُ بعضَها. إن كنتَ إنما تريدُ بهذا الأمرِ مالًا جَمَعْنا لك من أموالِنا حتى تكونَ أكثرَنا مالًا. وإن كنتَ تريدُ شَرَفًا سَوَّدْناكَ علينا فلا نَقْطَعُ أمرًا دونَك. وإن كنتَ تريدُ مُلْكًا مَلَّكْناكَ علينا. وإن كان هذا الذي يأتِيكَ رِئْيًا تَرَاه لا تستطيعُ رَدَّه عن نفسِك، طَلَبْنا لك الطِّبَّ، وبَذَلْنا فيه أموالَنا حتى تَبْرَأَ..) حديث حسن مصدره فقه السيرة.

روى جابر بن عبد الله أن عتبة ابن ربيعة حينما انتهى من إغراء النبي -صلى الله عليه وسلم- بكل أنواع المُلك، والمال ما كان رده -صلى الله عليه وسلم- إلا أن قرأ قول الله تعالى: (حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا؛ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ. وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ، وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ. قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ . . .)

لم ينجح كفار قريش بإغراء النبي -صلى الله عليه وسلم- فطلبوا منه أن يعقد لهم مجلسًا خاصًا بهم ليقنعهم بالدين الإسلامي، وأن يمنع الفقراء من حضور هذا المسجد، فرفض النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك لما نزل قول الله تبارك وتعالى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ).

كانت قريش قد بلغت أشدها في إيقاف النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الدعوة إلى الله، مقابل أن يسلموا لله سنة، ويعبدون الأصنام سنة أخرى، وحينها نزلت سورة الكافرون على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقرأها عليهم، فأيقنت قريش أن النبي لن يتراجع أبدًا عن الدعوة إلى الله، وهذا دليل على ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم التراجع عن الحق.خبرته أن يتوقف عن الدعوة مقابل

ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم أمام إيذاء المشركين

لا يمكن لأحد أن يتخيل كيف كان المشركون يؤذون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ولم يكن رسول الله يؤذى من الغرباء فقط، بل كان أقاربه أكثر إيذاءً له، فهذا أبو لهب عم النبي كان يؤذيه في بيته، وكان يلقي عليه أعضاء الشاة وهو يصلي عند الكعبة.

يروي أن عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أثناء صلاته عند الكعبة ووضع على ظهره سلى الناقة إلى أن جاءت ابنته فاطمة -رضي الله عنها- وإزالتها من عليه.

حينما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف ليدعوهم إلى الإسلام وترك عبادة صنم اللات، ردوا عليه ردودًا عنيفة وظلوا يرموه بسهامهم وأسلحتهم حتى أدميت قدماه -صلى الله عليه وسلم-، ولم يؤذ الكفار النبي فقط، بل كانوا يؤذون أصحابه أشد أنواع الإيذاء، فكانوا يؤذون آل ياسر ليتركوا الإسلام وكانوا يعذبون ياسر، وزوجته، وابنهم عمار، حينها قال لهم صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة.

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثابتًا على دينه رغم استهزاء قريش به، فكانوا يلقونه بالسيئة ويقولون عليه أنه ساحر كذاب، ويطلبون منه أن يوقع السماء عليهم أو أن يخرج لهم من الأرض أنهارًا، أو يجعل لهم جنات نعيم، أو يأتي بقرآن كامل غير هذا القرآن.

دائمًا كان رد النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم أنه بشر مثلهم لا يختلف عنهم فهو ليس بساحر ولا مجنون، وظل مشركو قريش يزدادوا في إيذائهم إلى أن أخرجوه من مكة المكرمة، فكل هذا دليل على ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم على الحق.

ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة

كان مشركو قريش أشد عدو للدين الإسلامي ولرسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما علموا أن الله أذن للنبي بالهجرة من مكة ليترك أذى المشركين، أبرموا اجتماعًا ليمنعوه من الهجرة، فتجلى حينها ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم على أمر ربه، وهاجر مع صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأخذ بزمام الأمور وبالأسباب التي تبعد المشركين عنه.

قد بات عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- في فراشه، وأمره أن يؤدي الأمانات إلى أهلها، وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أبو بكر الصديق وكانوا يرون المشركون أمامهم وظل النبي -صلى الله عليه وسلم- ثابتًا شجاعًا يردد قول الله جل وعلا: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) (سورة يس: 9).

كما ظهر ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم حينما اختبأ مع صاحبه أبي بكر -رضي الله عنه- في غار ثور والمشركون متربصون له، وقال عبارته المشهورة لأبي بكر الصديق لا تحزن إن الله معنا.

ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم في الغزوات

لا يمكن أن ننسى ثبات النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزواته وصموده أمام الفتن في الحرب، ففي غزوة أحد لما أشيع مقتله -صلى الله عليه وسلم- شتت المسلمون وظلوا يجمعون المغانم ويتركون القتال، ولما رأوا النبي صامدًا ثابتًا يقاتل المشركين التفوا حوله وظلوا يقاتلون معه.

كذلك في غزوة حنين إذ أعجب المسلمون بكثرتهم ونسوا أن النصر بيد الله جل وعلا، وطلع عليهم المشركون فجأة فتفرقوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا فريق من المؤمنين ظل ثابتًا معه، وقال الله -تعالى- في كتابه:

(لَقَد نَصَرَكُمُ اللَّـهُ في مَواطِنَ كَثيرَةٍ وَيَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيئًا وَضاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت ثُمَّ وَلَّيتُم مُدبِرينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكينَتَهُ عَلى رَسولِهِ وَعَلَى المُؤمِنينَ وَأَنزَلَ جُنودًا لَم تَرَوها) (سورة التوبة: 25، 26).

روى أنس بن مالك عن ثبات رسول الله في غزوة أحد فقال: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَومَ أُحُدٍ، وَشُجَّ في رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عنْه، ويقولُ: كيفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ، وَهو يَدْعُوهُمْ إلى اللهِ؟ فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ليسَ لكَ مِنَ الأمْرِ شيءٌ} [آل عمران: 128]) حديث صحيح، مصدره صحيح مسلم.

كما توفى عمه حمزة بن عبد المطلب في غزوة أحد، وكان يحبه حبًا جمًا، ولكنه صبر على فراقه، وظل ثابتًا صامدًا يواجه المشركين، وكان هكذا -صلى الله عليه وسلم- في جميع معاركه وغزواته، وقد وصف الصحابة -رضوان الله عليهم- ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم- في الغزوات فقد كانوا يلوذون إليه وقت ضعفهم، حيث روى علي بن أبي طالب قال:

(لقد رأيتُنا يَومَ بدرٍ ونحنُ نَلوذُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو أقرَبُنا إلى العدُوِّ وكان من أشَدِّ الناسِ يومَئِذٍ بأسًا) إسناد صحيح، مصدره مسند أحمد.

اقرأ أيضًا: قصة من قصص الوفاء بالعهد

ثبات الرسول وصبره على فقد الأحبة

ألم الفراق أصعب شعور قد يواجه أي شخص، فهذه طبيعة النفس البشرية تحزن لفراق القريب منها، فهكذا كان النبي حزينًا على فراق أحبته، ولكن لم ييأس، ولم يجزع، وظل صابرًا متيقنًا أن أمر الله كله خير.

حزن النبي على فراق زوجته خديجة -رضي الله عنها- فقد كانت أقرب الناس إلى قلبه، فكانت خير داعم له في رسالته إلى أمته، كما بكى -صلى الله عليه وسلم- في وفاة ابنه إبراهيم عليه السلام، فتعجب الصحابة لأمر النبي، وأخبرهم أن هذه رحمة توجد في قلب كل مؤمن، ويجب الصبر على الفراق، ولا نعترض على أمر ربنا، ونرضى بقضائه.

عن أنس بن مالك قال (دَخَلْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وكانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عليه السَّلَامُ، فأخَذَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عليه بَعْدَ ذلكَ وإبْرَاهِيمُ يَجُودُ بنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَذْرِفَانِ، فَقالَ له عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: وأَنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَقالَ: يا ابْنَ عَوْفٍ إنَّهَا رَحْمَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بأُخْرَى، فَقالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ) حديث صحيح، مصدره صحيح البخاري.

العوامل التي ساعدت الرسول على الثبات

لم يكن صبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وثباته على دينه بلا عوامل ساعدته على ذلك فكان صامدًا أمام كل المغريات، والصعوبات، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بشر اصطفاه الله -جل وعلا- على العالمين، وأعطاه ما يمكنه من الصمود على أذى المشركين، والثبات على الحق، وسوف نعرض لكم العوامل التي ساعدت النبي -صلى الله عليه وسلم- على الثبات استكمالًا لموضوع مقالنا كيف كان ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فيما يلي:

  • حفاظه على هدوء أعصابه وانفعالاته أمام أذى المشركين له، كما أن وعيه العميق بأن أمر الله كله خير، وثقته بالله -جل وعلا- مكنته من الصبر والثبات على أمر الله.
  • حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على اتصاله بالناس ومشاورتهم في أمورهم، ومخاطبة الأشخاص بخلق حسن، ولبنه معهم، حيث قال الله جل وعلا: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
  • عدم إقصار نظره على الواقع الحالي، بل جعل نظرته إلى المستقبل في إعلاء كلمة الله، وإسقاط كلمة الكافرين، وهذا ما أدى إلى إسلام كثير من المسلمين.
  • إيمانه بالله -جل وعلا- وثباته على اليقين به، فبشره الله بالثبات في الدنيا، والآخرة، قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة) (سورة إبراهيم: 27).
  • إيمانه بأن الإنسان فقير إلى الله جل وعلا، ودائمًا كان يسأله الثبات في أمره، فثبته الله تعالى على الإسلام حيث قال في كتابه: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (سورة الإسراء: 74).
  • العمل بكلام الله -جل وعلا- وحرصه على تعلمه، والإقبال عليه، وكان هذا سببًا في تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك قول الله تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (سورة النحل: 102).

النتائج المُترتِّبة على ثبات الرسول

ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم كان له بالغ الأثر على الأمة الإسلامية والعالم أجمع، فكان ثباته سببًا في دخول الناس أفواجًا إلى الإسلام، وقد تعلموا إسلامهم من ثبات وصبر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان صبره بمثابة توجيه فكري وروحي للمسلمين.

دخل في الإسلام أقوام عديدة، فأسلمت في النهاية عشائر قريش، وأسلم الغني فيها والفقير، وانتشر الإسلام في بلاد الحبشة، واليمن، وجاء نصر الله -جل وعلا- ووقع أمره كما قال: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) (سورة النصر)

آيات ذات صلة بثبات الرسول

هناك العديد من الآيات التي تكلمت عن ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها نأخذ العبر في منهاج حياتنا، وسوف نعرض لكم الآيات فيما يلي:

  • قال الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) (سورة الفرقان: 30).
  • قال الله تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ في هـذِهِ الحَقُّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ) (سورة هود: 120).
  • قال الله تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) (سورة الإسراء: 74).

أحاديث نبوية ذات صلة بثبات الرسول

وردت الكثير من الأحاديث في السنة النبوية الشريفة التي تتعلق بثبات الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان النبي حريصًا في دعائه أن يدعو الله بالثبات في أمور دينه، وسوف نعرض لكم فيما يلي أحاديث نبوية تتعلق بثبات الرسول:

  • عن شداد بن أوس قال (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقولُ في صلاتِه: (اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك الثَّباتَ في الأمرِ وعزيمةَ الرُّشدِ وشُكرَ نعمتِك وحُسنَ عبادتِك وأسأَلُك قلبًا سليمًا وأسأَلُك مِن خيرِ ما تعلَمُ وأعوذُ بك مِن شرِّ ما تعلَمُ وأستغفِرُك لِما تعلَمُ) حديث صحيح، مصدره صحيح بن حبان.
  • روى عبد الله بن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ربِّ تقبَّلْ توبَتي،
  • واغْسِلْ حَوْبَتي، وأجِبْ دعْوَتي، وثَبِتْ حُجَّتِي، واهدِ قَلْبِي وسدِّدْ لساني، واسْلُلْ سَخِيمةَ قَلْبِي) حديث صحيح، مصدره صحيح الجامع.

اقرأ أيضًا: حديث الرسول عن اختيار الزوجة

الدروس والعِبر المُستفادة من ثبات الرسول

نستخلص من سيرة حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- العبر والعظات في تعامله مع قومه، ومع أصحابه، والمرء كلما أطلع على سيرة النبي وشمائله ازداد حبًا له، وحرص على أن يكون مثله، وسوف نوضح لكم في النقاط القادمة الدروس والعِبر المُستفادة من ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم:

  • الثبات على الإسلام، وعدم الخضوع لأي شيء يبعد المرء عن دينه، وخلقه.
  • الحرص على الزهد في الدنيا مهما كانت مغرياتها، فالآخرة عند الله خير وأبقى.
  • اليقين بأن الأمر كله لله، ومن أراد بك ضررًا فلا يقدر إلا بأمر الله، والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعوا على أن ينفعوكَ بشيءٍ لم ينفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ولو اجتَمعوا على أن يضرُّوكَ بشيءٍ لم يضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ) حديث صحيح، مصدره كتاب تفسير الفاتحة والبقرة، المحدث الشيخ بن عثيمين.
  • التمسك بالقرآن الكريم بالقول، والعمل فهو أول الأسباب التي تحفظ العبد من شرور الدنيا.
  • الاقتداء بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، والأخذ بسنته وخلقه فقد كان خلقه وصبره سببًا في ثباته على الحق.
  • الإيمان، واليقين بالله بأنه لا يضيع أجر المحسنين، ومهما ذقت من قساوة الدنيا ومرها فاعلم أن فرج الله قريب، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (سورة الأعراف: 70).

النبي -صلى الله عليه وسلم- خير قدوة وخير معلم للخير، فيجب علينا أن نطلع على سيرته، وشمائله لنتعلم منه الثبات على الحق، وترك الباطل، ونعلم أن مغريات الدنيا جميعها لا تساوي من الجنة شيء.

قد يعجبك أيضًا
اترك تعليقا