قصتي مع الصدقة على الطيور

قصتي مع الصدقة على الطيور كانت قصة لها فضل كبير في بعض المواقف في حياتي بعد الله، فمنذ طفولتي وأنا أحب مشاهدة الطيور وإطعامها، وكنت أشعر بالسعادة عندما أرى طائرًا يأكل من الحبوب التي ألقيها له في الحديقة أو على الشرفة، لكني لم أكن أدرك أهمية هذا العمل وما يحمله من فضل وثواب عظيم عند الله تعالى، وهذا ما أشاركه معكم من خلال موقع الملك.

قصتي مع الصدقة على الطيور

إطعام الطيور هي عادة عندي احتفظت بها على مر السنوات، واكتسبتها في السنة الأخيرة منذ فترة دراستي في المرحلة الثانوية، وتحديدًا قبل الامتحانات مباشرة، حيث أن ما شاهدته من علامات وحوادث إيجابية جعلتني أواظب على إطعام الطيور.

كان ضغط الفترة الأخيرة من الثانوية العامة يدفعني إلى الخروج في الشوارع للتجول لا ألوي على شيء، ولكن فقط لتفريغ الضغط.

كان أبي قد توفاه الله منذ عام تقريبًا، وكان ذلك على إثر مرض مزمن عانى منه لعدة سنوات مما جعل خبر وفاته متوقعًا، رضيت بقضاء الله وكنت أواظب على تقديم الصدقات على روح الأب.

ربما أكون قد نسيت أو تناسيت وفاة أبي ولكنَ أمي لم تنسى، فكان يغشاها الحزن ولا يبارحها وكان يصعب عليه أن أدفعه عنها، فكلما كنت أحوال تسليتها بأكثر من وسيلة، وكلما أفاقت من نوبات الاكتئاب لا تلبث إلا وتنتكس حالتها مجددًا.

اقرأ أيضًا: أيهما أفضل للميت الصدقة أم العمرة

قصتي مع الحمامات الثلاث

بدأت قصتي مع الصدقة على الطيور عندما رأيت أطباق طعام للحيوان في الطريق، كان في أحدهما لبنًا وخبزًا، والثاني به ماء، وكان كلا الطبقين ملوثين بالتراب والحصى بسبب أعمال البناء المجاورة لموضع الأطباق.

جعلني هذا أتخيل مدى صعوبة الحياة للحيوانات الضالة التي قد تضر إلى أكل الثرى والطعام الملوث حفاظ على حياتها، ولطالما رأيت أواني طعام الحيوانات التي تمتلئ بالطعام الملوث والماء العكر دون أن ألتفت إليها، ولكن دونًا عن كل المرات آثر فيّ هذا المشهد وجعلني أفكر مليًا.

ذكرني هذا بحديث أبو هريرة رضي الله عنه عندما حكى الرسول أن رجلًا كان يمشي في الطريق وهو عطشان، فظل في سيره إلى أن وصل بئرًا فنزل فيه ليشرب، ثم وهو خارج رأى أمامه كلبًا يلهث.

ملئ الرجل الخف بالماء وأعطاه للكلب فغفر الله له، فسأل الصحابة متعجبين: يا رسولَ اللهِ وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا؟ قال: في كُلِّ كَبِدٍ رطبَةٍ أجرٌ.

اليوم التالي أحضرت قارورة من البلاستيك ووضعت فيها حبوب الشعير والقمح وفتات الخبز المطحون، أما بالنسبة للماء فقد جئن بقارورة وقسمتها إلى نصفين بحيث يكون نصفها السفلي مساوي لثلث الجزء العلوي.

في الجزء السفلي ثقبت فيه من الجانبين مواضع لربط الخيوط، ووصلت أحد جانبي الخيط بالشرفة والثاني بحبل الغسيل، ووضعت فيه الحبوب، صنعت من هذا الشكل زجاجتين واحدة للحبوب وأخرى للماء.

كان يوم جمعة وكان الجو حارةً في الشرفة ولكني عزمت على الجلوس ومراقبة الطيور، كان معي كتاب الدراسة وكانت الساعة العاشرة صباحًا، جلست أذاكر أمام الشرفة حتى مضت ساعة تتلوها أخرى، حتى انغمست في المذاكرة ونسيت الحبوب والطيور.

أذّن المؤذن لصلاة الجمعة فرفعت رأسي عن الكتاب لأجد الحمام يقتنص من إناء الحبوب بغتة ثم يهرب بدون صوت، كانوا ثلاثة حمامات سود، وكان كلما أخذت واحدة منهم حبة شعير غادرت وجاءت مكانها واحدة أخرى بنفس اللون.

ظللت أراقب المشهد حتى رفع المؤذن آذان الإقامة فأسرعت أقوم، انتبهت لي الحمامات وطاروا ثلاثتهم، لم أضع أمر عددهم في الحسبان واستكملت يومي.

اقرأ أيضًا: دعاء لحماية شخص من الأذى

قصتي مع مراقبة الحمام

عبر تجربتي المعيشة مع التصدق على الطيور وإطعامها بانتظام عرفت فضل الصدقة الحقيقي، وما يجنيه العبد من حسنات في الدنيا والآخرة إذا عطف على الحيوان.
كان مشهد الطيور تأكل من إناء وتتجمع لدى شرفتي يكبر يومًا عن يوم، وكان عدد الحمامات يزداد كلما رفعت من قدر الطعام، وخلال شهر واحد كانت الشرفة مليئة بالأطباق والأواني، وكنت أدفعًا جزءًا ثابتًا من مصروفي لشراء الشعير والقمح.

كان دافعي لإطعام الطيور هو مشاهدة هذا التجمهر الذي يزورني أمام غرفتي، قد أجلس كل يوم ساعة الضحى لمراقبتهم وعدهم، وفي بعض الأحيان توقظني أصواتهم بالخارج.

كان الأمر الأكثر غرابة هو أنني كلما حاولت حصي عدد الطيور أفضل لكثرتهم، ولكنني أستطيع دائمًا تمييز الحمامات السود الثلاثة، وهم الذين شعرت أن لوجودهم دلالة ومعنى يتضح مع مرور الوقت.

مع اقتراب الامتحانات كان قلقي يزداد، خاصةً أن معدلي في الدراسة ليس مميزًا، ولم أكن من الطلبة النبهاء الذي يقرؤون الدرس مرة واحدة فيحفظونه.

من ناحية أخرى كنت أنا وأمي الوحيدان بالبيت، وكان المفترض أن بعد سنوات قليلة أصبح أنا معيل الأسرة، وهو ما يدفع قلقي وتوتري إلى أقصى مستوى إذ أني لا أريد أن أرسب ولا أن أحصل على معدل منخفض فيزيد هذا على حزن أمي حزنًا جديدًا.

اقرأ أيضًا: كيف أتخلص من الحسد في قلبي

قصتي مع النجاح في الامتحان بفضل الصدقة

لم تعد قصتي مع الصدقة على الطيور تتوقف لدى الاستمتاع بالنظر إلى هذا الجمع، فأنا الآن أعتقد تمام الاعتقاد أن صدقي على هذه الطيور الرقيقة كان سببًا في توفيقي إلى ما أنا فيه.

قبل الامتحان بيوم كنت منهمكًا في الدراسة بحيث ذهب عن ذهني وضع الطعام وتغيير المياه للحمام، إلا أن أمي لاحظت ذلك وذهبت لشراء كمية من الشعير والحبوب من المتجر القريب.

وضعت أمي الطعام الجديد لسرب العصافير المنتظر، وفي ساعة الضحى كان بوسعي سماع مناقيرهم الصغيرة تصيب الحبوب وتلوكها في رضا، ولم أستطع مغالبة أصواتهم فخرجت لأشاهدهم وتركت كتابي مفتوحًا على الدرس الثالث في المنهج.

لاحظت شيئًا غريبًا للغاية، وهو أن وسط الطيور مختلفة الألوان والأشكال، فالحمامات السود لم تحضر هذا اليوم، وانتظرت قدومهم ولكن دون جدوى.

عندما رجعت إلى غرفتي وجدت أن صفحة الكتاب تغيير، وأن الكتاب مفتوح على الدرس الرابع، لكن لم استبعد أن يكون الهواء القادم من الشباك هو الذي قلب الصفحات.

نظرت في الفصل الجديد ولأول مرة استطعت أن أنفُذ إلى مضامين الدرس من مرة واحدة، وكان من المفترض أن أرجع إلى الدرس الثالث لأنه أكبر أجزاء المنهج وتركز الطلبة عليه بشكل مكثف، لكنني استكملت المذاكرة بتركيز إلى نهاية الكتاب.

جاءت الساعة العاشرة مساءً وقد أنهيت الكتاب من بداية الفصل الرابع حتى آخره، وشبه أغفلت الفصل التمهيدي الأول والفصلين الثاني والثالث، رأيت أنني مجهد بما يكفي ويجب عليه النوم الآن والاستيقاظ باكرًا جدًا لمراجعة باقي المقرر.

في اليوم التالي استيقظ متأخرًا لأن المنبه لم يرن، فغمرني القلق بصورة مضاعفة حيث أنني يفصل بيني وبين الامتحان النهائي نصف ساعة، ذهبت بدون تحضير وأنا أكتم غيظي وتوتر.

كان الامتحان سهلًا على نحو غير متوقع، حيث أن غلب الأسئلة جاءت من الفصول التي بذلت العناية لمذاكرتها، أما نظيرتها التي يركز عليها الطلبة عادةً فلم يأتي منها إلا القشور.

خرجت مستبشرًا من الامتحان، وهو ما أعطاني دفعة معنوية لاستكمال الامتحانات المقبلة، وفي نهاية شهر الامتحانات كانت أمي مستبشرة بنجاحي، ويوم النتيجة جاءتني تزف إلي أخبار البشر والسرور، فقد حصلت على أعلى المعدلات.

كانت العصافير تهز بأجنحتها زجاج الشرفة ذلك اليوم، كأنما تتغنى طربًا لنجاحي، وشعرت حينها أن الله أسعدني وأسعد أمي أمامي وأبي في قبره وذلك نظير ما قدمته من صدقة صغيرة للطيور.

هذا كانت قصتي مع الصدقة على الطيور، فقد شعرت بتغير حياتي إلى الأفضل بعدما جعلت من إطعام الطيور عادة يومية لا أتركها، فقد ازداد إيماني وثقتي بالله، وحلت البركة والسعادة والرضا على حياتي.

قد يعجبك أيضًا
اترك تعليقا