هل تعتبر الزوجة مطلقة إذا طالت مدة غياب الزوج
هل تعتبر الزوجة مطلقة إذا طالت مدة غياب الزوج؟ وما هي شروط تطليق الزوجة التي غاب عنها زوجها؟ ذلك أن الزواج ميثاق غليظ، اعتنت به الشريعة الإسلامية ووضع له العديد من الضوابط، وترتبت عليه الكثير من الآثار، ووضعت لكِلا الزوجين من الحقوق والواجبات ما يضمن بقاء هذا الزواج، من بين تلك الحقوق حق المعاشرة، وعبر موقع الملك نوافيكم ببان ذلك من خلال الإجابة عن تلك التساؤلات.
هل تعتبر الزوجة مطلقة إذا طالت مدة غياب الزوج
إذا غاب الزوج عن زوجته فإنها لا تعد مطلقة لمجرد الغياب، بل لا بُد أن ترفع أمرها للقضاء؛ حتى ينظر في مسألتها ويتخذ الإجراءات اللازمة، فإما أن يحكم بطلاقها باعتباره مفقودًا، أو أن يستدعي الزوج.
تعتبر المرأة مطلقة إن أوقع زوجها الطلاق عليها وهو عاقل مختار ليس به مانع من موانع الطلاق كالجنون والسكر، وغير ذلك، وكان طلاق المرأة في طهر لم يجامعها فيه، ولم تكن حاملًا أو آيسة.
لو تزوجت الزوجة بآخر حال غاب عنها الأول دون الرجوع للقضاء؛ فإن هذا الزواج الثاني يُعد باطلًا، وتظل على ذمة زوجها الأول، ويحكم بوجوب عودتها إليه حال رجوعه حتى لو تزوجت من آخر، لأن هذا الزواج الثاني باطلًا.
في حالة الحكم بفقد الزوج ثم تزوجت من آخر، فعاد زوجها الأول قبل الدخول بها، فإنها في تلك الحالة بالخيار، إما الرجوع للزوج الأول، أو أخذ الصداق والبقاء مع الزوج الثاني، كما أن الشريعة قد فصلت القول في غيبة الزوج عن زوجته، كونها لا تخلو من أمرين:
1- الغيبة غير المنقطعة
هي الغيبة التي يمكن للزوجة من خلالها أن تعرف خبر زوجها، ويمكنها الاتصال به، فهذا النوع لا يمكن فيه للزوجة أن تتزوج بسببها بالإجماع.
أما في حال تضررت الزوجة بتلك الغيبة، فلها أن ترفع أمرها للقضاء، من أجل الطلاق، أو فسخ العقد.
2- الغياب المطلق للزوج
هو الذي تنقطع فيه أخباره، ولا يمكن للزوجة الاتصال به، في تلك الحالة اختلف أهل العلم في المدة الواجب على المرأة انتظاره فيها، بيد أن أكثر أهل العلم على أنها تنتظر 4 سنوات، منذ غيابه، ثم تعتد كعدة الوفاة، ومن ثم لها أن تتزوج.
في ذلك قال الروزي: “ واخْتَلَفُوْا فِي امرأة المفقود كم تتربص؟ فقَالَ مَالِكٌ، وأَهْل الْمَدِيْنَة، وأَحْمَد، وإِسْحَاق، وأَبُوْ عُبَيْدٍ: تتربص امرأة المفقود أربع سنين، ثُمَّ تتزوج. ورووا ذَلِكَ عَن عُمَر بْن الخطاب، وعثمان، وعلي بن أبي طالب، وابن عُمَر، وابن عَبَّاس -رضي الله عنهم…”
“…وقَالَ سُفْيَانُ، وأَصْحَاب الرَّأْيِ: إِذَا فقد الرَّجُل تربصت امرأته حَتَّى تعلم موته وهَذَا أحد قولي الشَّافِعِيّ. ورووا ذَلِكَ عَن علي بْن أبي طالب.”
قد اختلف الفقهاء في تلك الحالة فقال البعض: لا يجوز لها الزواج حتى تتيقن من موته، أو فراقه لها، وهذا ما ورد عن علي رضي الله عنه حيث قال: “إذا فقدت المرأة زوجها لم تتزوج حتى يقدم أو يموت.”
بينما يرى البعض أن المرأة تتزوج في تلك الحالة – أي حال انقطعت أخبار زوجها- بيد أنها تنتظر مدة لتتأكد من حياة زوجها، واختلفوا في تقدير تلك المدة.
اقرأ أيضًا: علامات قرب الطلاق في المنام
مدة غياب الزوج عن زوجته
غياب الزوج عن زوجته ولو لسنوات كثيرة لا يحرمها عليه، وتبقى زوجته ما لم يحكم بالطلاق أو الخلق من قبل قاضي مسلم، حتى لو منع عنها النفقة، أو تضررت، فإنه في تلك الحالة يجب على الزوجة أن تطلب الطلاق.
على الرغم من ذلك.. فإن الشريعة الإسلامية قد حددت مدة للزوج أن يغيب فيها عن زوجته لا ينبغي أن يتعداها، وهي أربعة أشهر، فما زاد عن ذلك.. لا بد أن يكون بإذنها ورضاها؛ حتى لا تتضرر الزوجة بغيابه.
في ذلك يقول الشيخ ابن جبرين: ” قد حدد بعض الصحابة غيبة الزوج بأربعة أشهر، وبعضهم بنصف سنة.”
كما أن بُعد الزوج عن زوجها حتى لو وافقت عليه إما حياءً أو مشاركة له، فإن الضرر الصادر عن هذا البعد يختلف من امرأة لأخرى، فلا تتساوى فيه المتدينة مع غيرها، أو التي تعيش وحدها مع من تعيش مع أبويها، وغيرها.
بيد أن بعض أهل العلم يقول بأنه وإن كان سؤال عمر رضي الله عنه لابنته حفصة عن المدة قد جعل أجل غياب الزوج عن زوجته 4 أشهر، بيد أن هذا رُوعي فيه العرف والطبيعة آنذاك.
لذا ينبغي أن يراعى المصلحة في تقدير المدة في الوقت الحالي، لاسيما أن الأحوال والطباع قد تغيرت، خصوصًا بعد سهولة المواصلات، وسهولة وسائل الاتصال.
قال الشيخ ابن العثيمين: “ الواجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف لقول الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) وحق العشرة حق واجب على الزوج لزوجته وعلى الزوجة لزوجها، ومن المعاشرة بالمعروف ألا يغيب الإنسان عن زوجته مدة طويلة؛ لأن من حقها أن تتمتع بمعاشرة زوجها كما يتمتع هو بمعاشرتها…”
كما يقول: “إذا رضيت بغيبته ولو مدة طويلة فإن الحق لها، ولا يلحق الزوج حرج، لكن بشرط أن يكون قد تركها في مكان آمن لا يخاف عليها، فإذا غاب الإنسان لطلب الرزق وزوجته راضية بذلك فلا حرج عليه وإن غاب مدة سنتين أو أكثر.”
اقرأ أيضًا: حقوق الزوجة بعد الطلاق بدون أطفال
شروط الطلاق بغياب الزوج
استكمالًا للإجابة عن تساؤل هل تعتبر الزوجة مطلقة إذا طالت مدة غياب الزوج، يمكن القول إن الشريعة الإسلامية قد وضعت شروطًا لطلاق المرأة التي غاب عنها زوجها، هي:
- كون غياب الزوج عن زوجته لغير عذر مقبول.
- أن تتضرر الزوجة بغيابه.
- كون الغيبة في بلد غير الذي تقيم فيه.
- مرور سنة تتضرر فيها الزوجة.
بناءً على ذلك.. فإن كان غياب الزوج لعذر مقبول: كأن يكون غيابه لأجل طلب علم، أو عمل، أو ممارسة تجارة ونحو ذلك؛ فإنه لا يجوز طلب التفريق حينئذٍ، وكذلك إن كان غيابه في نفس البلد التي تقيم فيه الزوجة.
أما مدة الضرر التي تطلب بعدها التفريق.. فقد قدرها العلماء بالعام، بأن يقع عليها ضررًا فاحشًا بسبب بُعد زوجها عنها، وليس لمجرد غيابه، لمدة عام، تحصل فيها الوحشة للزوجة، وتخشى على نفسها من الفتنة والوقوع في الحرام.
بينما يقول بعض العلماء أن مدة الضرر هي ثلاث أعوام، بينما يرى الإمام مالك أن أدنى مدة تتمكن الزوجة فيها من طلب التفريق هي ستة أشهر؛ وعلل ذلك بأنها أقصى مدة تصبر فيها الزوجة على بعد زوجها وغيابه؛ لأجل ذلك قدر مدة الضرر بمرور عام.
إذا خافت المرأة عن نفسها فتنةً، أو تضررت بسبب غياب الزوج وأرادت تحصين نفسها، فلا بُد أن ترجع إلى القضاء لأجل تطليقها أو طلب العودة منه، وذلك سدًا للذرائع، ومنعًا للمفاسد.