قصة من قصص الوفاء بالعهد
قصة من قصص الوفاء بالعهد تحمل في طياتها العبرة والعظة من السلف الصالح عن تلك الصفة التي حث الإسلام عليها منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، تتعدد قصص الوفاء بالعهود من قديم الزمان التي تدل على أهمية تلك الصفة التي يجب أن تكون موجودة بين عامة الناس لأنها تؤدى إلى الالتزام بصدق الحديث بينهم من أجل الارتقاء بالمجتمع ونشر مكارم الأخلاق، سوف نتعرف على قصة من قصص الوفاء بالعهد وعلى العهود التي بين الله والعباد وبين العباد وبعضهم من خلال موقع الملك.
قصة من قصص الوفاء بالعهد
إن الوفاء بالعهد صفة من الصفات الحميدة ومكارم الأخلاق التي يجب أن تكون موجودة لدى الناس كافة بمختلف الأجناس والأديان، فالوفاء بالعهد يعني الالتزام بكل كلمة يقولها الإنسان لغيره أو حتى لنفسه حيث يقال: أخذت عهدًا على فلان فإذا صدق في تحقيق هذا العهد سمى ذلك الوفاء بالعهد أي أنه وفي كل ما قاله حتى لو كان على مضض منه.
بالإضافة إلى ذلك فقد حث الإسلام على الوفاء بالعهود فكان أول من حث على الوفاء بالعهد هو الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما جاء إليه رجلان يرويان له العهد الذي أخذته عليهم قريش للذهاب إلى المدينة وعدم القتال مع الرسول الكريم في غزوة بدر، فقال لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم)).
بالإضافة إلى وفاء الصحابة بالعهود والمبايعات التي أخذها عليهم الرسول الكريم للدخول في الإسلام والالتزام بأوامر الله ونواهيه الرجال منهم والنساء خاصةً في بيعة الرضوان وبيعة العقبة.
وفائهم أيضًا بالعهود التي أنزلها الله عليهم من إيتاء الزكاة وإقامة الصلاة والجهاد في سبيل الله لذلك ذكرهم الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم مادحًا إياهم عندما أوفوا بعهودهم التي أمرهم بها فجاء في سورة البقرة الآية 177: “وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ”.
بعد التعرف على معنى الوفاء سوف نذكر أكثر من قصة من قصص الوفاء بالعهد حتى نتعلم منها ويصير الوفاء قيمة عالية في حياتنا نسير بها إلى أعلى المنازل في الدنيا والآخرة، ومن أروع القصص عن الوفاء بالعهود في عهد النبي قصة مالك بن عمارة مع عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين وهي كالتالي:
1- قصة مالك بن عمارة مع عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين
أول قصة من قصص الوفاء بالعهد نسردها لكم على لسان مالك بن عمارة للخيمي قائلًا له: أنه ذات يوم كان يجلس عند الكعبة مع عبد الملك بن مروان واثنين آخرين من صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- نتحدث في أمور الدين تارة وفي الأشعار والأمثال تارة.
فكان يحب حديث عبد الملك بن مروان ومعرفته الشاملة بالأشياء، فذات مرة جلس مع عبد الملك بن مروان بمفرده قبل أن يصبح أمير المؤمنين وأبدى إعجابه بحديثه وأُنسه في الكلام ففرح عبد الملك بن مروان وقال له إني لا أعرض عن متحدث قط وأتلذذ بالحديث مع الجميع وأتجنب فعل المعاصي حتى يرضى الله عني.
إن عشت إلى أن أصير خليفًا للمسلمين اذهب إلي وسوف أعطي لك من الخير الكثير، فيقول مالك بن عمارة عندما أصبح عبدالملك بن مروان خليفًا للمسلمين ذهبت إليه في المسجد ذات مرة وهو يخطب بين الناس في يوم الجمعة.
فنظر إلي ولم يحدثني فظننت أنه لم يتذكرني أو أنه يعرض عني، وعندما انتهينا من الصلاة ذهب إلى بيته وأرسل الحاجب يسأل عني ويرافقني إلى بيته فدخلت عليه وكان مسرورًا برؤيتي وقال لي: إن ذلك الموضع الذي رأيتني فيه لم يكن مجال حديث بيننا أما هنا في بيتي أنت جليسي وأنيسي.
ثم أكمل عبد الملك بن مروان حديثه قائلًا كيف حالك من بعدي؟ فأخبره مالك بن عمارة ثم قال له عبد الملك بن مروان أتذكر ما قد قلته لك عند الكعبة عندما حدثتني بمفردي؟ قال: نعم، قال عبد الملك بن مروان: والله ما زلت أفعله حتى الآن أملًا أن يرضى الله عني ويرفع منزلتي وقد فعل فأصبحت خليفة للمسلمين.
ثم نادى إلى غلامه وقال له خذ مالك بن عمارة وأجعل له مكانًا في بيتي وأعطيه من الطعام والشراب ما يشاء، فيقول مالك بن عمارة إنه جلس عشرون ليلة عند أمير المؤمنين وهو في أحسن حال يتلذذ بحديثه عن أمور الإسلام ويأنس بقربه.
عندما قمت لأذهب بعد انقضاء العشرون ليلة أجلسني أمير المؤمنين وقال لي: إذا أردت أن تقيم معي فافعل ولك نصف المعاشرة وإن أردت أن تذهب إلى أهلك فافعل ولك الكرامة أيهما تحب؟ فقال له مالك بن عمارة إني جئت إليك زائرًا تاركًا أهلي وولدي فإن شئت أٌقمت معك وفضلت رؤيتك على أهلي.
فقال أمير المؤمنين: لا، أذهب إلى أهلك وإذا أردت الرجوع فمرحبًا بك ولكن سوف أعطي لك كسوتك وحملك وعشرون ألف دينار كما عاهدتك من قبل فلا خير في رجل ينسى عهده.
اقرأ أيضًا: قصص أطفال جديدة
2- قصة عمر بن الخطاب والشاب
تتعدد قصص الوفاء بالعهود ولعل من أجملها وأشهرها القصة التي حدثت في عهد عمر بن الخطاب وهو خليفة للمسلمين عندما كان جالسًا بين أصحابه يتشاورون في أمور الخلافة وجاء إليه غلامان ممسكين بشاب يطلبون من أمير المؤمنين الحكم بينهم لأنه قتل أبيهم.
فقال له عمر بن الخطاب بغضب ما قصتك، فقال له ذلك الشاب: إنني غريب عن تلك البلد وكنت أستريح عند سور حديقة وكانت ناقتي معي وكانت أشجار تلك الحديقة تخرج عن أسوارها فتناولت الناقة من هذه الشجرة الخارجة عن السور فجاء شيخ كبير أخذ حجرة وضرب بها ناقتي حتى ماتت فأمسكت بتلك الحجرة وضربت بها هذا الشيخ حتى مات.. هذا كل ما حدث.
فقال له أمير المؤمنين: عليك القصاص فقال له الشاب: رضيت به ولكن عليك أن تأذن لي أن أذهب إلى أخي الصغير لأعطي له المال الذي تركه له والدي فإنه قد دفنه في مكان ما لا أحد يعلم به غيري وأوصاني أن هذا المال لأخي الصغير فأذن لي أن أؤدي أمانتي ثلاثة أيام ثم أعود إليك حتى أوفى بعهدي.
فقال أمير المؤمنين من يضمنه؟ فقال أبي ذر أنا أضمنه يا أمير المؤمنين وهو لا يعرفه، فقال له عمر بن الخطاب: إذا لم يعود أقمنا عليك القصاص بدلًا منه فقال أبي ذر: رضيت، فأذن عمر بن الخطاب لذلك الشاب بأن يذهب، انقضت الثلاثة أيام المتفق عليها.
جاء اليوم الثالث وكاد أن ينتهي دون أن يحضر الشاب المقام عليه حد القصاص حتى قال الغلامان لأبي ذر: سوف نأخذ قصاص أبينا منك يا أبا ذر، وكاد أن يحدث ذلك بالفعل حتى أتي الشاب وهو يتصبب عرقًا معلنًا قدومه من أجل القصاص بعد إعطاء أخيه ماله ووصية أقاربه عليه.
حيث قال حينها: إن الله أمر بقضاء الوفاء فجئت حتى لا يقول أحد ذهب الوفاء بين الناس، فتعجب أمير المؤمنين وتعجب الناس من ذلك الفعل الوفي، فقال أبي ذر أيضًا: وأنا ضمنته وأنا لا أعرفه حتى لا يقال ذهبت المروءة بين الناس.
فقال الغلامان الذين يريدون القصاص لأبيهم: ونحن قد عفونا عن دم أبينا حتى لا يقال ذهب المعروف بين الناس ولم يأخذوا فدية دم أبيهم من مال بيت المسلمين كما قال لهم عمر بن الخطاب ابتغاءً لمرضاة الله، فكانت تلك أفضل قصة من قصص الوفاء بالعهد.
3- قصة امرئ القيس الكندي
فيما يلي ذكر لقصة من قصص الوفاء بالعهد لأمرئ القيس الكندي الذي كان ذاهبًا إلى قيصر ملك الروم فوضع قبل ذهابه دروع وأسلحة ومال كثير عند شخص يقال له “السموأل” ولكن مات امرؤ القيس حينها، فأرسل قيصر ملك الروم إلى السموأل يطلب منه الأشياء المودعة عنده من قبل امرؤ القيس.
فرفض السموأل إعطائه تلك الأشياء لأنه يريد إعطائها لورثة أمرؤ القيس، فأرسل إليه ملك الروم مرة أخرى ليأخذهم منها فرفض السموأل أيضًا وقال له لا أخون الأمانة المودعة عندي، فإنه واجب علي أن أرد تلك الأمانة إلى أصحابها.
في هذه المرة ذهب قيصر ملك الروم بجيشه إلى بيته ليأخذ منه تلك الدروع والأموال والأسلحة فلجأ السموأل إلى الاحتماء ببيته ولكن كان ولده خارج البيت فأخذه قيصر ونادى على السموأل وقال له إن ولدك معي، إن أعطيتني الأشياء التي بحوزتك سوف أرد ولدك إليك وإن رفضت مرة أخرى سوف أذبح ولدك أمام عينيك.
رد عليه السموأل قائلًا: لا أخون أمانتي ولا أنقض وفائي حتى أعطى تلك الدروع والأسلحة لورثة أمرؤ القيس فافعل ما شئت، حينها ذبح قيصر ملك الروم ولد السموأل أمام عينيه ولم يستطع أن يأخذ الأشياء التي كان يريدها من السموأل.
فتركه وذهب واحتسب السموأل ذبح ابنه عند الله حتى أعطى ورثة أمرئ القيس حقهم الذي كان معه من أجل الوفاء بالعهد، بذلك ضُربت به الأمثال بين الناس وكانوا إذا ذكروا الوفاء ذكروا موقف السموأل أمام قيصر ملك الروم، وذبح ابنه فقط من أجل الأمانة التي كانت بحوزته.
اقرأ أيضًا حدوتة قبل النوم للكبار فقط
العهود التي بين الله والعباد
بعد التعرف على أكثر من قصة من قصص الوفاء بالعهد سوف نتعرف الآن على العهود التي وضعها الله بينه وبين عباده وأمرهم بها، كما في قوله تعالى في سورة الأنعام: الآية 152: (وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، حتى تكون الأجيال ذات أخلاق عالية تصدق كل ما تقول وتسير على النهج السليم للإسلام، من هذه العهود ما يلي:
- الالتزام بتعاليم الإسلام والسير على السنة النبوية والشريعة الإسلامية.
- الإيمان بالله تعالى وحده وبقدرته وأنه واحد لا شريك له.
- التسليم التام لله في جميع الأقدار الخير والشر.
- الجهاد في سبيل الله وجهاد النفس على ترك المعاصي أعظم ثوابًا.
- نصيحة المسلمين بترك المنكرات ونشر ركائز الدين الإسلامي بينهم.
اقرأ أيضًا: قصة حب قصيرة قبل النوم
العهود بين العباد
كما تطرقنا إلى قصة من قصص الوفاء بالعهد سوف نتطرق الآن إلى معرفة العهود التي وضعها الإسلام بين العباد وبعضهم حتى لا يحدث ظلم بينهم وبذلك ينالوا الأجر والثواب من الله، من هذه العهود ما يلي:
- صدق المسلم لأخيه المسلم في كل ما يُنطق بلسانه أو يُكتب بيده.
- تربية الأبناء على المنهج الصحيح للإسلام ومعاملتهم معاملة حسنة.
- عدم نقض الشروط المكتوبة بين المسلمين وبعضهم حيث يسمى الإسلام ذلك بالعهود والمواثيق، وأهم وأحق هذه الشروط هي عقود الزواج كما أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم.
- إعطاء العامل أجره كما يطلب وكما هو متفق عليه.
- حقوق الجيران مع بعضها البعض من عدم الإيذاء والتعامل بسلوك حسن.
- حقوق المسلمين في بينهم المتمثلة في زيارة المريض والنصائح والدعاء.
- إعطاء صاحب الدين ديونه كما هو متفق عليه.
كان من الضروري معرفة قصة من قصص الوفاء بالعهد وفهم تلك الصفة الحميدة التي يجب أن يعرف الجميع أهميتها في المجتمع، وفي العلاقات الإنسانية.