كيف أعرف أن الله ستر علي
كيف أعرف أن الله ستر علي؟ وما معنى الرصيد من الستر؟ فليس هناك أفضل من أن يكون العبد مستورًا في الدنيا والآخرة، يجعل الله ذكره طيبًا بين الناس، فيظن الناس أنه من أخيار الناس، وما هو إلا عبدًا قد أنعم الله عليه بالستر والعافية، وهذا ما نستفيض في شرحه خلال موقع الملك.
كيف أعرف أن الله ستر علي
إن الستر من أهم ما يحظى به المسلم عِند ربه، فكيف أعرف أن الله ستر علي؟ لا توجد قواعد أو إشارات تخبرك أن الله قد سترك، لكن هناك العديد من الأمور التي إن واجهتها أو رأيتها في حياتك، علمت أن الله قد أسبغ عليك بنعمة الستر.
1- محبة الناس
من تمام ستر الله لعباده الصالحين، أنهم يعلمون والله يعلم أنهم يرتكبون للذنوب والمعاصي، لكن الناس تظن أنهم من الصالحين العابدين، غير مقترفين للذنوب والآثام مثلهم، ويدعون الناس إلى عبادة الله.
2- التوبة والرجوع إلى الله
يجب على الإنسان أن يعلم أن الله يتوب عليه إذا أذنب في حق نفسه أو في حق ربه، ما دام رجع عن الذنب وعزم عن عدم الرجوع إليه مرة أخرى وفي إثبات ذلك العديد من الدلالات من آيات الله والسنة المشرفة.
قال تعالى: ” إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ” (النساء: 17)، فإن الله يتوب على المذنبين الذين يرجعون إلى الله وينيبون إليه، وقد ذكر الرسول الكثير من الأحاديث التي تؤكد على هذه الأمور.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ” رواه مسلم، فالله يعلم أن نفس المؤمن ضعيفة لن يقدر على شهوات الدنيا، ولذلك كانت الجنة أصعب وصولًا.
فهي من أكثر الصور التي تُجيبك عن كيف أعرف أن الله ستر علي؟ ما دُمت تُجاهد نفسك.
3- لزوم الاستغفار
ليس كل المسلمين يلهمهم الله أن يقوموا بالاستغفار أو بالإكثار من ذكر الله، لكن من يريد الله أن يتوب عليه، وأنه يسمع صوته، ويجعل ذكره دائم بين أهل السماء ألهمه الاستغفار والذكر والرجوع عن طريق المعاصي والذنوب.
لأن من أسماء الله الستار، فكان حقًا على الله أن يكون ساترًا لذنوب عباده، وهو يعلم خفايا الصدور، وليس ذلك فحسب، بل يظهره أمام الخلائق من المؤمنين التائبين إلى الله.
4- البكاء من خشية الله
إذا وجل المؤمن وخاف عند ذكر الموت أو عقاب الله، فإنه دليل على صحوة النفس، والخوف من عقاب الله، وهو من أكبر الدلائل على رغبة الله في أن يكون عبدًا تائبًا يتقرب إلى الله بأحسن الأعمال ليتوب عليه.
ليس شرطًا أن البكاء دلالة على التوبة من الذنوب والمعاصي، لكنه من العلامات التي تدل على أن الله يسمعه ويرعاه بنور وجهه الذي ملأ أركان الكون.
قال الرسول الكريم: ” لا يَلِجُ النارَ رجلٌ بكَى من خَشيَةِ اللهِ حتى يعودَ اللبَنُ في الضَّرْعِ، ولا يجتَمِعُ غُبَارٌ في سبيلِ اللهِ ودُخَانُ جهنَّمَ” (رواه الترمذي)، وهذا دليل على أن الله قد حرم النار على وجه من بكى خشية منه وخوف من عقابه.
5- النفور من الذنب
للإجابة عن كيف أعرف أن الله ستر علي؟ يمكن أن يكون من أكبر الإشارات التي تعني أن الله قد ستره عبده، هو عدم الرجوع إلى الذنب مرة أخرى، والتوفيق من الله في مجاهدة النفس ومزاحمة المعاصي بأحسن العبادات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل” وهي عبارة صريحة، عند ضرورة القيام بالأعمال الصالحة، التي تغني المسلم عن الوقوع في براثن الشيطان والانصياع إلى نفثه.
اقرأ أيضًا: كلام عن الستر والعفه
الفرق بين الغفران والستر
من المهم أن يعلم أن هناك فرق كبير بين الغفران والستر فالغفران أعم وأشمل من الستر.
غفران الذنب هو محوه تمامًا والستر هو التجاوز عنه أو نسيانه، فيقتضي الغفران الثواب والخلاص من العقاب، بينما الستر مثل أن يترك الشخص ويستر عيبه، ولا يذكر ذنبه.
يقول أبو البقاء الكفوي: ” الغُفْران: يقتضي إسقاط العقاب، ونيل الثَّواب، ولا يستحقُّه إلَّا المؤمن، ولا يُستعمل إلَّا في البارئ تعالى. والسَّتْـرُ: أخص من الغُفْران إذ يجوز أن يَسْتر ولا يَغْفر“.
لماذا ستر المسلم على المسلم ضروري؟
لا يوجد أبلغ من الموقف الي كان بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وشرحبيل بن السمط الذي يوضح ضرورة ستر المسلم لأخيه المسلم: ” كان شُرَحْبِيل بن السِّمْط على جيشٍ، فقال لجيشه: إنَّكم نزلتم أرضًا كثيرة النِّساء والشَّراب- يعني الخمر- فمن أصاب منكم حدًّا فليأتنا، فنطهِّره، فأتاه ناس،
فبلغ ذلك عمر بن الخطَّاب، فكتب إليه: أنت- لا أمَّ لك – الذي يأمر النَّاس أن يهتكوا سِتْر الله الذي سَتَرَهم به“. رواه أبو الشعثاء
فإن كان المسلم قد عرف ذنب أخوه، فلا يجب عليه أن يهتك هذا الستر، أو يقوم بفضحه على رؤوس الخلائق، فالله تعالى يغفر الذنوب لعباده، ويلهمه التوبة ويعفو عن السيئات، فإذا كان رب الأرباب قد عفا وأصفح، فكيف لعبد مثلك يهتك عرضك ويحكم عليك، وهو الذي لا يملك من الأمر شيء، قل إن الأمر كله لله.
عندما يتم هتك عرض المسلم، فإن صورته تهتز وكرامته تهدر بين الناس، ولا يكون له الحق في أن يندمج مع المجتمع والآخرين، لذلك فقد أعطى الله ستره لخلقه، ليظل الناس يظنون أنه عابدٌ لله لا يذنب، ليحافظ على ماء وجهه أمام الناس.
لا يوجد من هو أقوى من أمير المؤمنين عمر بن الله، فيمن يقيمون حدود الله، لكنه كان يحرص على أن يستر ذنوب العباد والتأني في الحكم عليهم حتى لا يظلمهم، وهذا دليل على واجب ستر العباد، وعدم تذكيرهم بالذنوب التي يغفرها الله.
يغفر الله ذنوب عباده من الذين آمنوا إلا أن يشرك به، قال الله تعالى: “ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا” (النساء: 116).
فالشك بالله هو الذنب الوحيد الذي يمنع العبد من أن يغفر له ربه، وأن يدخله الجنة، ولكن جميع الأمور التي يذنب فيها العبد من الأمور التي يتوب الله عن عباده فيها، وكل ذلك لمن يشاء.
اقرأ أيضًا: دعاء جميل في رمضان
قصص النبي والصحابة في الستر
يأخذنا سؤال كيف أعرف أن الله ستر علي؟ إلى قص مجموعة من القِصص التي برز فيها ستر الله على عباده، وحث الإسلام على الستر، فهناك العديد من القصص التي ذُكرت في السنة الكريمة، للصحابة الذين أذنبوا وجاءوا إلى رسول الله ليتوب عليهم.
1-الصحابي المقر بذنبه، وإصراره على إقامة حدود الله
من أبلغ القصص التي أرادنا الرسول أن تقوم بستر أنفسنا حينما يسترنا الله، حين جاء الصحابي ماعز بن مالك الأسلمي يقر بذنبه إلى رسول الله، فأعرض عنه، ثم يأتي إليه ثانيًا فيعرض عنه الرسول، ويكرر ذلك إلى أن يلقنه الحجة، ويرفع الحد عنه.
لكن الصحابي جاء إلى النبي ثلاث يقر بذنبه، فأخبره النبي: ” لعلك قبَّلت، أو غمزت، أو نظرت“، فجاءه الصحابي في الرابعة فأمر النبي بإقامة الحد عليه.
” لَمَّا أتَى مَاعِزُ بنُ مَالِكٍ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ له: جاء ماعزٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي زنيْتُ فأقِمْ فيَّ كتابَ اللهِ. فأعرض عنه ثمَّ قال: إنِّي زنيْتُ.
حتَّى ذكر أربعَ مرَّاتٍ، فقال: اذهبوا به فارجموه فلمَّا مسَّته الحِجارةُ جزع فاشتدَّ فخرج عبدُ اللهِ بنُ أُنَيسٍ من باديتِه فرماه بوَظيفِ حمارٍ فصرعه ورماه النَّاسُ حتَّى قتلوه فذُكِر للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِرارُه فقال: هلَّا تركتموه فلعلَّه يتوبُ فيتوبُ اللهُ عليه، يا هزَّالُ لو سترتَه بثوبِك كان خيرًا لك ممَّا صنعتَ، وقال غيرُه في هذا الخبرِ: بوَظيفِ بعيرٍ وقال بعضُهم: بلحْيِ بعيرٍ ” (صحيح مسلم).
2- موقف أم المؤمنين في هتك عرض المؤمنين
عن مريم بنت طارق قالت: “أنَّ امرأة قالت لعائشة -رضي الله عنها-: يا أمَّ المؤمنين، إنَّ كَرِيًّا أخذ بساقي وأنا مُحْرِمَة، فقالت -رضي الله عنها-: حِجْرًا حِجْرًا حِجْرًا، أي سترًا سترًا، وأعرضت بوجهها، وقالت بكفِّها، وقالت: يا نساء المؤمنين، إذا أذنبت إحداكنَّ ذنبًا، فلا تخبرنَّ به النَّاس، ولتستغفر الله تعالى، ولتتب إليه؛ فإنَّ العباد يُعَيِّرُون ولا يُغَيِّرُون، والله تعالى يُغَيِّر ولا يُعَيِّر“.
3- قصة عمر بن الخطاب مع الراعية الزانية
عن المعرور بن سويد قال: ” أُتي عمر بامرأة راعية زنت، فقال عمر: ويح المرِّيَّة، أفسدت حَسَبَها، اذهبا بالمرِّيَّة فاجلداها، ولا تخرقا عليها جلدها، إنَّما جعل الله أربعة شهداء سترًا ستركم به دون فواحشكم، ولو شاء لجعله رجلًا صادقًا أو كاذبًا، فلا يطَّلعنَّ سِتْر الله منكم أحد“.
4- ستر عمر بن الخطاب لابنة الصحابي
عن الشعبي قال: ” إنَّ ابنة لي أصابت حدًّا، فعَمَدت إلى الشَّفْرة، فذبَحَت نفسها، فأدركتُها، وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها فبرأت، ثم أنَّها نَسَكت، فأقبلت على القرآن، فهي تُخْطب إليَّ، فأخبر من شأنها بالذي كان، فقال له عمر: تعمد إلى سِتْر سَتَره الله فتكشفه؟ لئن بلغني أنَّك ذكرت شيئًا من أمرها، لأجعلنَّك نَكالًا لأهل الأمصار، بل أنكِحها نكاح العفيفة المسلمة“.
ستر الله على عباده أفضل من ستر الناس على الناس، لأن الله لا يعير عباده بستره لهم، بل إن الله يلهم عباده للتقوى والانصراف عن الذنوب والتقرب بأحسن الأعمال التي يتقبلها من عباده.